إيديولوجيا العلمنة تصيب الغرب بالعمى
اليساندرو فيرارا 30 March 2007

و أنا أحضر ذهنيا مداخلتي هذه حول " الصحوات الدينية و المجتمع المفتوح" و جدت نفسي أقوم برد فعل حول صياغة العنوان و قررت لحضتها أنني سوف أركز مداخلتي الموجزة و التلخيصية حول ما أعتبره على أنه تابع للوطن أي في الديموقراطيات الغربية حيت نشأت و حيت أمارس مهنتي كفيلسوف سياسي. في الحقيقة إنني أؤمن أن أفضل طريقة لخدمة قضية حوار الحضارات و إبطال خطر الانتهاء إلى صراع الحضارات السيء الذكر- ذلك الصراع الذي أعاد إدوارد سعيد بمهارة عالية تسميته "بصراع الجهل" . إذا كان فقط على كل واحد منا أن يقيس بشكل نقدي ما يحدث في بلده أو بلدها أفضل من الإفتاء حول ما يجب أن يفعله أو لا يفعله الآخرون في بلدانهم. لذلك سوف أختم بتجميع بعض الأفكار المهمة جدا- ولو بإيجاز- المقدمة مؤخرا من قبل رواد الفلسفة السياسية حول قضية الدين و السياسة.

ولكن اسمحوا لي بأن أتطرق إلى مفهوم الصحوة الدينية في حد ذاتها أو بشكل أحسن صعود المطالبة بدور عمومي للدين في المجتمعات الغربية مرة أخرى و كذلك عن التحديات التي تطرحها هذه الصحوة و هذه اللاخصصة لفهمنا لما يجب أن تكون عليه التسويات السياسية المقبولة أخلافيا أو كيف يجب أن يبدو المجتمع المفتوح. إن أول شيء يجب أن نعيه في نظري هو أن هذه الضالة الدينية التي ننظر إليها باعتبارها قد تمت إعادة إحيائها من جديد كانت دائما موجودة في المجتمعات الغربية.قد تكون تمظهراته الداخلية مختلفة و لكن الإيمان الديني لم يخبو أبدا حتى في المجتمعات العلمانية الغربية. من المرجح أننا قمنا بتجاهل هذه الحقيقة الأساسية لأن الإيديولوجيا التي تم تداولها بشكل هدام طيلة القرن العشرين أصابتنا بالعمى, إنها إيديولوجيا العلمنة و تحديدا فكرة أن التقدم و التحديث سوف تؤدي بشكل طبيعي إلى اختفاء الظاهرة الدينية عن طريق استئصال الحاجة الهيكلية إلى وظيفتها التعويضية و المواساتية.

هذا الفهم الخاطئ الذي حذرنا منه علماء اجتماع رواد كبيتر بيرغر وآدام سليغمان و خوصي كازانوفا, و فلاسفة كشارل تايلور: كلهم حذرونا أن سوء الفهم هذا يقودنا إلى عدم فهم ليس فقط طبيعة الظاهرة الدينية و لكن ايضا طبيعة المجتمع. بالنسبة "للظاهرة الدينية" كما شرحها دوركايم بمهارة كبيرة هي طرف و جزء من نسيج المجتمع في حد ذاته و الذي تلعب له دورالعنصر "المثاليidealizing " و "الموحد integrating " .اذن يجب اخد الحذر عند استعمال مصطلح الصحوة من أجل اجتناب الوقوع في فخ صورة العودة الى"علمانية" لم تكن موجودة أبدا على الأقل كما تم وصفها في الكتب.

ثانيا, يجب علينا الغوص في المصطلح الثاني بشكل أكثر تحديدا , و هو مصطلح المجتمع المفتوح. لقد تم اشتقاق هذا المصطلح خلال فترة الحرب الباردة. إنه يستبطن طموحات فلسفية و لكنه ليس حرا تماما من انعكاسات ذلك الأفق. فالمجتمع المفتوح أفضل شأنا من المجتمع المخطط حيث تحاول الدولة تشكيل جميع فضاءات المجتمع و الثقافة. في الوقت الذي يتمحور فيه المجتمع المخطط حول الدولة فان المجتمع المفتوح يتمحور حول السوق. إنه مجتمع علماني يقدس العلم و العقل و لا يثق- بشكل عميق- باي شيء لا يمكن التعامل معه بمعيار العلم و العقل. إنه مجتمع يكره القمع و التقنين و لكنه يحصر أفق المرغوب فيه في رفاهية عامة و مستدامة إلى أقصي حد ممكن. إذن فهو مجتمع مغلق لكل أولئك الذين يرون بأن أفق الازدهار للجميع اختزالي, إنه مجتمع تتكلم مؤسساته لغة غريبة عن المواطنين المؤمنين و ينظر إليهم باحتقار باعتبارهم بقايا الماضي.

من أجل تصحيح هذا العمى تبنى يورغن هابرماس مصطلح مجتمع ما بعد العلمانية و استحدث جون راولز مصطلح الليبرالية السياسية. إن المصطلحين تم تصميمهما للتأشير على قطيعة مع مفاهيم الديموقراطية و أشكال الحكم السياسية الليبرالية و التي آمنت بفكرة العلمنة باعتبارها مضمونة. والمؤلفان يتساءلان حول مدى كون التفسير التقليدي للحياد الديني للدولة المقدم من طرف النظرية السياسية اليبرالية غير مقيد بشكل مفرط. يصف راولز الليبرالية السياسية باعتبارها "مختلفة بشكل حاد" عن ليبرالية الأنوار التي هاجمت تاريخيا المسيحية الأرثوذوكسية. فهو ينأى بنفسه بشكل جلي عن أي تفسير مقيد لمفهومه للتفكير العمومي و " المعقوليه ": على قاعدة ما يسمى "نظرة موسعة" للتفكير العمومي يمكن للمواطنين أن يأتوا بمعتقداتهم العميقة و بشكل قانوني ملهمين من الدين الى الفضاء العمومي شريطة أن يعبروا عن رغبتهم في جعل مطلبهم رسميا في مقترح قرار أو قانون. هذه الأسباب الدينية في الأصل يجب تعويضها بأخرى علمانية يمكن أن تقاسمها مع المواطنين غير المؤمنين.

يحذرنا راولز من الخلط بين " التفكير العمومي" و " التفكير العلماني". عندما يحين الوقت لصياغة قانون فإن بإمكان المواطنين الذين يعتنقون معتقدات دينية شاملة و التي تمتد من عقلانية الأنوار إلى الشيوعية- معتقدات تمخضت في الماضي عن أشكال من الأصولية ليست أقل استبدادا من تلك المؤسسة على الدين- مطلوب منها أن تحول غاياتها "القصوى" الى "غايات ما قبل أخيرة" يمكن تقاسمها من قبل الذين لا يشاطرونهم إيديولوجياتهم. كونه محايدا دينيا و غير مناضل علمانيا, يبدو "الفكر العمومي" كأنه يبعد بنفس المسافة عن أشكال التفكير التي تبدأ من الافتراضات الشاملة الخلافية سواء أكانت دينية أو علمانية. معيارها الداخلي هو " المعقوليه " وهي متميزة عن العقلانية و تفهم على أنها هي القدرة على الاعتراف بحقيقة التعددية, و بانحياز المواقف الشخصية و هي الاستعداد للإنخراط في تعاون مع الآخرين, تعاون مؤسس على مبادئ يمكن أن يشاطرها الجميع.

يؤكد هابرماس على أنه داخل الفضاء العمومي المؤسساتي لا يمكن أن توجد قيود لأنواع التفكير المشار إليها. و لكنه يعبر عن مخاوف أكثر من راولز فيما يتعلق بما يعرفه بحمل " تفسيري" إضافي، حمل الترجمة الذي يؤدي الى تدهور المواطن المؤمن انطلاقا من حقيقة أن العملة الرائجة من قبل السياسات الديموقراطية يمكن فقط أن تكون سياسة الأفكار المحايدة دينيا. هذا القلق يقود هابرماس إلى صياغة اقتراح لا يمكن إيجاده في أعمال راولز. حمل الترجمة الإضافي يجب مشاطرته –بطرق يجب تحديدها من الناحية المؤسساتية- من قبل المواطنين المؤمنين و لأسباب مستقلة عن إرادتهم يجدونها غير قابلة "للترجمة", أسباب مرتبطة بإيمانهم بأسباب دينية محايدة و دون أن يتم حرمانهم من التأثير السياسي.

هذا رغم ذلك بداية النقاش فقط. فشارل تايلور على سبيل المثال في مقالاته المعنونة ب"الحداثة الكاثوليكية؟" و "الدين اليوم" يتحدث عن " جراحة" روحية التي إذا تم النظر إليها باعتبارها حصرية ستفرض أفق المذهب المذهب الإنساني الحديث على المواطن المسيحي الذي لايعرف نفسه مع "فكرة الازدهار الإنساني الذي لا يحقق أي هدف آخر صالح أعلى من هذا". هذا الشكل من الإنسانية المضادة لتعالي "القيم السياسية المشتركة" يقع في خطر أن يبدو للمواطن المؤمن "كإقصاء مجاني للدين باسم المعتقد الميتافيزيقي المنافس وليس فقط كالحامي و المراقب للحدود المشتركة لفضاء عمومي مستقل".

يقترح والزر جعل الخط الفاصل بين السياسة و الدين مرنا حيث إنه في بعض الأحيان تكون أسباب العدالة و مبدأ المساواة أكثر أهمية من الأسباب المساندة للتطبيق الصارم المفهوم على أنه حياد. فعلى سبيل المثال عندما تدخل الدولة حصصا- في إطار تعويضي- للمجموعات المهمشة التي عانت من التمييز العنصري في الماضي و التي يتم تمثيلها هيكليا بشكل أقل في بعض المناصب. حسب والزر قد يحدث في بعض الناسبات ان تعلق الدولة حيادها بالمعنى الضيق لأسباب براغماتية دون اعتبار ذلك انتهاكا للمبدأ. على سبيل المثال إذا كانت هناك رغبة في تحديد يوم عطلة فإنه يمكن عدم اللجوء إلى القرعة لتحديد اليوم: فمبدأ الفصل يتم تطبيقه بطريقة مرنة دون انتهاكه إذا اختارت الدولة يوم الاحد كيوم عطلة متبنية تقليد أغلبية المواطنين. ولكن قد يكون الفصل منتهكا إذا كان القانون يمنع المؤمنين من ديانات أخرى من الاحتفال بأعيادهم في أيام أخرى.

إنها فقط بداية النقاش و لكنها علامة واضحة على أن فهمنا للفصل بين الدين و السياسة يخضع حاليا لإعادة التفكير ليس في الفكرة الأساسية و لكن فيما يتعلق بالطريقة التي طبق بها إلى حد الآن.

أليساندرو فيرارا هو أستاذ الفلسفة السياسية في جامعة روما "تور فيرغاتا" و هو رئيس الجمعية الإيطالية للفلسفة السياسية. درس الفلسفة من جامعة كاليفورنيا في بيركلي و في جامعة "غوته" في فرانكفورت. هو مؤلف "الحداثة والأصالة" (منشورات جامعة و لاية نيويورك سنة 1993) و كتاب "الأصالة العاكسة". "إعادة التفكير في مشروع الحداثة (منشورات روتليدج سنة 1998) و "العدالة و الحكم" (منشورات ساج سنة 1999). يشتغل حاليا كمدير نشر عدد خاص من الفلسفة و النقد الاجتماعي حول استعمالات الحكم (سيصدر سنة 2007).
هذا النص هو نص المداخلة التي قدمها الكاتب في المائدة المستديرة المنظمة من قبل منتديات "ريسيت" للحوار بين الحضارات بعنوان " الصحوة الدينية و المجتمع المفتوح" المنعقدة بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة الذي تحتفل به منظمة اليونيسكو (الرباط بوم 16 نونبر 2006). شاركت في هذا اللقاء الشخصيات التالية: وزير الداخلية الايطالي جيوليانو أماتو والفلاسفة: عبدو فيلالي أنصاري (المغرب) فريد دالماير ( الولايات المتحدة الأمريكية) صادق العظم (سوريا) سيباستيانو مافيتو أليساندرو فيرارا (ايطاليا) و رئيس تحرير ريسيت للحوار بين الحضارات جينكارلو بوسيتي و مديرة منتديات ريسيت للحوار بين الحضارات نينا زو فرزبرغ.

SUPPORT OUR WORK

 

Please consider giving a tax-free donation to Reset this year

Any amount will help show your support for our activities

In Europe and elsewhere
(Reset DOC)


In the US
(Reset Dialogues)


x