التعايش هو القدر المحتوم
أندريا ريكاردي 15 March 2007


هذا النص هو تقديم الكاتب لآخر كتبه "التعايش"Convivere) ) 163صفحة وصدر عن دار النشر "لاتيرزا" سنة 2006.

سؤال من رواندا:
في كيكالي, عاصمة رواندا؛ قمت بزيارة النصب التذكاري لضحايا الإبادة الجماعية: مركز كيكالي التذكاري. كان ذلك في عيد الفصح سنة 2005. بعد عشر سنوات بقليل من تلك الأحداث المأساوية. ذكراهم مازالت حية. مازالت السجون مليئة عن أخرها بالمتهمين بالإبادة الجماعية. في الشارع يمكن التعرف على الذين تم الحكم عليهم ( في طريقهم إلى العمل) بفضل ملابسهم الوردية. المشاكل المرتبطة بالإبادة الجماعية مازالت وشيكة الحدوث. يعمل الرئيس كآكامي بسياساته الوثيقة على تأمين أن هذه الأحداث المأساوية لن تحدث مرة أخرى. إنه الرجل الذي قاد الكفاح المسلح الذي أدى إلى سقوط نظام الهوتو في كيكالي, ووضع حدا لإبادة التوتسي.

حسب الرئيس، ليس هناك فرق بين الهوتو و التوتسي؛ فقط أولئك المتورطون في الإبادة الجماعية و الضحايا. إنها السلطة التي توجد في أيد التوتسي الذين ينتمي إليهم, هي التي تلعب دور الضمانة لكل أولئك الذين عانوا من الإبادة الجماعية. لكن الناس يستمرون في التفكير بعقلية التوتسي و الهوتو. القضية المتعلقة بكيفية و متي يمكن تحقيق ديموقراطية كاملة تبقى مفتوحة. لكن هناك سؤال آخر لا يقل أهمية: هل الهوتو والتوتسي سيكونون قادرين على التعايش السلمي؟
إن مركز كيكالي التذكاري يعتبر معلما لهذه الذكري المأساوية. يرى المرء توابيت الذين تم اغتيالهم في الوقت الذي تقود فيه سلسلة من الصور الزائر إلى النقطة البؤرية: غرفة مليئة بالجماجم. الرسالة واضحة: رعب عميق لكل الذي حدث سنة 1994. يتبادر إلى الذهن سؤال: كيف أمكن للجيران أن يقتلوا أناسا عرفوهم للأبد؟ القتلة لم يأتوا من أماكن بعيدة, لقد كانوا أناسا عاشوا دائما جنبا إلى جنب مع ضحاياهم. في كتابه الجميل و المأساوي المعنون ب"بفصل المدية", سمح جين هاتزفيلد لمرتكبي الإبادة الجماعية بالحديث. لا يبدو أنهم وحوش, لقد كانوا في الغالب أناسا عاديين حولتهم الدعاية و الإمتثالية الجماعية الجنونية. لقد تم إقناع القتلة بأنه لم يعد ممكنا العيش مع التوتسي الذين يشكلون تهديدا للهوتو. لذلك أصبح ضروريا تصفيتهم.

تصف صور مركز كيكالي التذكاري الخوف من العيش مع الآخرين, خوف يصبح قاتلا. ورغم ذلك فالتوتسي ليسوا مختلفين بل ويتكلمون نفس اللغة مثل الهوتو. كما هو الشأن في "ياد فاشيم", النصب التذكاري للمحرقة اليهودية في القدس, الشيء الأكثر إثارة للمشاعر هو تذكر الأطفال. يتعلم المرء ماذا كانت الأكلة المفضلة لفرانسين مورينزي الفتاة ذات الإثني عشر ربيعا: البيض المسلوق؛ ورياضتها المفضلة, السباحة؛ كما أنهم يقولون لنا إنها قتلت بمدية. هؤلاء الأطفال حرموا من حياتهم. هل كان ذلك دفاعا عن حياة أطفال آخرين؟ عندما يتجول المرء بأسى حول غرف و أجنحة هذا التذكار, يبقى السؤال الذي يحلق في الهواء هو حول المستقبل. كيف يمكن للهوتو و التوتسي أن يتعايشوا بسلام بعد كل هذا؟ يحاول ككامي بسياساته أن يخط طريقا رغم كونه محاطا بتعقيدات الرأي العام الدولي ( المنتقد للمنهجيات القوية المطبقة). لكن بعد عشر سنوات من الإبادة الجماعية, يبدو المستقبل مليئا بعدم الاطمئنان و بالضبط بسبب ساكنة رواندا المختلطة و تاريخها المأساوي.

لا تختلف المجموعات الإثنية الرواندية من حيث اللغة و لكن من حيث التاريخ؛ سواء في التمييز العنصري القريب أو الماضي و كذلك في الوظائف الاجتماعية. توجد الآن هوة بينهم, في الحقيقة هناك هوة إبادة سنة 1994 الجماعية. هل سيمكنهم التعايش في رواندا الغد؟ هذا السؤال لا ينسحب على رواندا فقط ولكن على بوروندي أيضا التي لها نفس المجموعات العرقية- الهوتو و التوتسي- و الذين يتقاسمون تاريخا صعبا. لقد اختارت بوروندي مسارا آخرا, مع رئيس جديد من الهوتو و نظام يحافظ على التوازن بين المجموعتين العرقيتين.

وضعية رواندا ليست فريدة في هذه المنطقة. هذا مشكل عام. يظهر بأشكال مختلفة في بلدان إفريقية متنوعة و ربما في العالم بأسره أيضا. في الجانب الأخر اختار الروانديون أن يضيفوا إبادتهم الجماعية إلى سلسلة طويلة و مؤلمة من الأحداث من هذا النوع. يصبح هذا واضحا في مركز كيكالي التذكاري. هناك سلسلة ضاغطة من الذكريات و من صور إبادات القرن 20 الجماعية. إبادة الهيريرو الأفارقة في ناميبيا من قبل الألمان (تمت إبادة 65000 بين 1904-1905). إبادة الأرمن, محرقة اليهود, الإبادة الجماعية في كمبوديا, و دول البلقان في التسعينيات.

هذه كلها وضعيات مختلفة و لكنها تكشف كل الجوانب القاسية للقرن الماضي.و أنا اترك النصب التذكاري في كيكالي, واصلت سؤال نفسي: كيف تعايشوا؟ كم هو عدد الوضعيات الموجودة في حالة خطر في عالمنا؟ تتعلق أسئلتي برواندا و بوروندي , ولكن ليس لوحدها فقط. غالبا ما واجهت نفس القضايا عندما أواجه بقضايا إفريقية صعبة. في إفريقيا, تختلط و تتعايش مجموعات من الناس في نفس البلد ( أعراق, لغات و أديان مختلفة)؛ ضمن حدود رسمها المستعمر بشكل اعتباطي دون اعتبار للحقائق الإثنية.

التعايش هو المشكل الذي يواجهه المسيحيون و المسلمون في ذلك البلد الإفريقي الشاسع الذي هو نيجيريا. الأزمة الإفريقية الكبرى بعد تصفية الإستعمار, كانت بالضبط حرب الاستقلال الكبرى الممتدة من 1967 إلى 1970 في منطقة "بيافرا" النيجرية. أصبحت صورة الطفل الإفريقي الهزيل صورة نمطية لفقر إفريقيا. بالرغم من ذلك كانت هناك كثير من الأزمات في العقود الأخيرة. التعايش هو المشكل في ساحل العاج, بلد مازال منقسما بين شمال و جنوب, مسلمين و مسيحيين, غير واثق من نفسه لكون هوية جزء من سكانه تتشكل من المهاجرين. كما إن هذا الأمر يهم البلد الصغير و لكن المهم: طوغو, حيث تقوم مجموعة سياسية (أقلية إثنية أكثر من %10 بقليل) مشكلة من ورثة الراحل الرئيس إياديما بتسيير بلد يطالب بحقوق متساوية. هناك الكثير من الأمثلة. العيش معا داخل إطار دولة مشكل إفريقي عظيم, خاصة إن مؤسسات الدولة ضعيفة؛ وبسبب التاريخ الإشكالي لكثير من أشكال الاستقلال الوطني أيضا.

هذا-رغم ذلك- ليس فقط مشكلا إفريقيا مرتبطا بالوضعية في تلك القارة. إنه موجود في آسيا؛ بدءا من سيريلانكا التي غزتها حرب عصابات مأساوية لعقود كما هو الشأن بالنسبة لأندونيسيا التي تتصارع مع الانفصال في إقليم "أتشه". إنه تاريخ كثير من الأقليات التي تطالب بفضائها الذاتي, بالحكم الذاتي و كذلك باستقلالها. إنها أحداث تضم ما يصطلح عليه اسم الشعوب الأصلية في كواتيمالا, بوليفيا, البيرو و الإكوادور. إنه غالبا تاريخ جماعات بشرية انتهت إلى التواجد على نفس الأراضي و نفس المدن. الغضب الموجه ضد الأقليات الصينية (المتجانسة اقتصاديا) في اندونيسيا يكشف عن التوتر الجدي المتراكم في المجتمعات الآسيوية.

قامت الباحثة الصينية " أيمي تشوا", التي تـُدرس في جامعة "يال" بالولايات المتحدة, مبتدئة بتجربة أسرتها في الشتات؛ بالتأكيد على خطر العداء المتزايد ضد الأقليات القوية اقتصاديا في المجتمعات التي تخضع لمسلسلات الدمقرطة و اللبرلة. الأغلبية الأكثر فقرا تعلن نفسها "المالك" الشرعي للرفاهية و تهاجم الأقليات الغنية. حدث هدا في زيمبابوي "موغابي" ضد المستوطنين البريطانيين, ولكن يمكن أن يحدث أيضا في الفليبين أو في بوليفيا ذات الأغلبية الأصلية.

قضية تهمنا جميعا:

إن تعايش شعوب مختلفة ليس مشكلا يتعلق بأطراف العالم فقط, الديمقراطيات الجديدة, دول بدون حرية أو تلك التي لها حدود إعتباطية. إنه مشكل أوروبي كذلك. فلنفكر في البلقان. الحروب في يوغوسلافيا السابقة و تلك التي حدثت في البوسنة و الهرسك و التي طرحت مشكل التعايش بين مسلمي البوسنة, الصرب الأرثودكس و الكروات الكاثوليك. لقد تم حل هذا بالفصل العرقي بعد إراقة الكثير من الدماء و تراكم الكثير من الأحقاد. لقد تابعت الأحداث في كوسوفو عن قرب، بلد تقطنه أغلبية ألبانية و أقلية صربية تحت سيطرة الحكومة في بلغراد. يبقى المشكل دون حل بالرغم من الحكم الذاتي الحالي الذي يتمتع به البلد. القرى الصربية مازالت مُحاطة بالسكان الألبان. الحياة مستحيلة للأقلية الصربية. كل الأحداث في يوغوسلافيا السابقة خلال التسعينات كانت قصصا عن التفكك المؤلم لبنية التعايش التي خلقها تيتو. كان هذا – رغم ذلك – مصطنعا و تم خلقه خلال نهاية إمبراطورية " هابسبورغ", كان سقوطها يعني استحالة تعايش السلاف في الجنوب ( و بالتالي يوغوسلافيا ). حدت هذا بعد سقوط جدار برلين في الوقت الذي قوت فيه أوربا مسلسل توحيدها.
لقد أصبح التعايش اليوم مشكلا مفتوحا حتى في الدول الأوربية الأكثر تماسكا. لقد تم طرحه لبعض الوقت الآن من قبل أقليات صاعدة: الباسك في إسبانيا و إيرلندا الشمالية على سبيل المثال. في نفس الوقت يستنفذ الفلاميون و الوالونيون في بلجيكا – بشكل متزايد- تنظيم دولة واحدة. بلد صغير و مهم في تاريخ العالم بين القرنين التاسع عشر و العشرين، إذا لم يكن لأي سبب آخر غير سيطرته الإستعمارية على الكونغو و رواندا و بوروندي. لكن المشكل الأكثر جدية هو المتعلق بالجاليات المهاجرة غير الأوربية. إنه المشكل الذي يصيب ضواحي المدن الأوربية. لقد إنفجرت مؤخرا في سلسلة من النزاعات في ضواحي باريس و المدن الفرنسية الأخرى مع إضرابات تشارك فيها الأجيال الشابة و الذين ينحدرون غالبا من أصول مهاجرة.

ثورة الشباب –المنحدرين أساسا من أصول أفريقية أو مغاربية و لكن غالبا ما ينتمون إلى الجيل الثاني أو الثالث من المواطنين الفرنسيين- بدت و كأنها " صدام حضارات " بدائي. ففي جانب هناك فرنسا برموزها ،و في الجانب الآخر هناك رد الفعل المتمرد لشباب وحيدين بدون عمل و لا أمل. في هذا الاتجاه يُعتبر هذا التمرد جزءاً من التقليد الذي ميز التاريخ الفرنسي ولا يمكن أن يتم تفسيره بالإسلام فقط من جهة أخرى. فالشباب يحتجون ضد الإستلاب و عدم المساواة مستعملين لغة أساسية: لغة العنف. هذا التوتر ليس جديدا و كذلك الشأن بالنسبة لأعمال العنف. لكنها الآن انفجرت بشكل متزامن. التمرد يتقوى و يتطور كذلك عبر عولمة المعلومات. الدائرة المغلقة التي تسبب فيها الإشهار عن طريق التلفاز أعطى الشباب هوية: "نحن مشهورون, حتى CNN تتكلم عنا" قال لي متمرد شاب في نوفمبر 2005. قال آخر لجريدة "نحن مستعدون للتضحية بكل شيء لأننا لا نملك شيئا". في ظرف أربعة أيام من 5 إلى 8 نوفمبر؛ ثم إحراق ما يقارب ثلاثة آلاف سيارة في جهة باريس. هذه طريقة للتعبير عن هويتهم وعن حضورهم في الساحة الفرنسية: " نحرق ، إذن نحن موجودون"
ماذا يوجد وراء كل هذا؟ أولا و قبل كل شيء, الفراغات الكثيرة للضواحي: الأزمة التي تمر منها الشبكة الاجتماعية و المدارس و قرب المؤسسات من الناس: نهاية الحزب الشيوعي و جذوره الاجتماعية التي نقلت القضايا الخلافية للبروليتاريا إلى المستوى السياسي؛ الأزمة التي تعيشها الكنائس الكاثوليكية الفرنسية؛ و التي عالجت قضية العناية الكنسية داخل الضواحي الحمراء بعد الحرب. بعد ذلك, هناك أيضا أزمة الأسرة بالرغم من أنهم يقولون إن أسر المهاجرين تختلف عن الأسر الأوروبية. هذا مشكل يشترك فيه كل العالم الغربي الذي يشهد تفكك أسره: فالرجال و النساء يكبرون بمفردهم دون أن تتم تربيتهم على حقائق التعايش –الأسرة بالضبط- حيث يعيش أولئك المختلفون ( من حيث النوع, السن, الجيل, القدرات) وحدة مشتركة و معنى القدر.
بالثورة يخلق الشباب في الضواحي هوية لأنفسهم. برد الفعل تجاه الإستلاب في مجتمع يتم الإحساس فيه بحمل اللامساواة بشكل متزايد.هذه ثورة الشباب ضد مجتمع "عجوز". الخصائص البين-إثنية للعصابات نتيجة لهذا الاستلاب لدرجة أن أغلب هؤلاء الشباب ينحدرون من أسر مهاجرة. يستعملون العنف لجلب الاهتمام. ليس لديهم مطلب يتم التفاوض عليه, فقط التمرد؛ إنشقاق عميق يستحق فك طلاسمه. يحس الشباب بأنهم منبوذون من قبل المدينة ومن قبل عالم الشغل؛ هذه ليست فرنساهم. كيف يمكن إدماجهم وكيف يمكن إشباع طموحاتهم؟ هل هذه ثورة المهاجرين ضد دولة الأغلبية؟ لقد تم طرح قضية التعايش بين الأغلبية و المهاجرين-في بعض الأوقات- بطريقة ديماغوجية و عنيفة. يجب على المرء أن يناقشها بواقعية وبدون هستريا.
كانت هجمات لندن الإرهابية في يوليوز 2005 إنذارا. حقيقة كون الرجال مواطنين بريطانيين (مسلمين من أصول باكستانية) أكدت سؤالا ضل يحلق لسنوات و أصبح ملحا منذ أحداث 11 سبتمبر 2001. كيف سيعيش الأوروبيون الأصليون بسلام و أمان مع المهاجرين الجدد و خاصة المسلمين؟ هل يمكن إدماج الجاليات الإسلامية؟ هل يخفون أعداء أشداء محتملين؟ ألم نشاهد ذلك مع المهاجمين الشباب على لندن رغم جوازات سفرهم البريطانية و انتمائهم إلى عائلات اندمجت بشكل جيد في المجتمع؟ حسنا إذن, كيف يمكن العيش معا بل وحتى السماح لهذه الأقليات بأن تتقوى بفضل تدفقات الهجرة الجديدة؟ هذه كلها أسئلة تهم الجاليات المسلمة الكبيرة في بريطانيا العظمى, فرنسا و ألمانيا و كذلك في هولندا و بلجيكا.

الإسلام الأوروبي يستنكره البعض بصوت عال باعتباره الطابور الخامس للمد الإسلامي في أوروبا. الرحالة و الروائي البولوني الكبير ريسزارد كابوسينسكي, لاحظ أن اندماج الإسلام "هو أحد الأسئلة الأكثر إبهارا التي يجب على أوروبا التعامل معها". إنه ربما أكبر الأسئلة في غد أوروبا. يهم السؤال كذلك كل الهجرات (و كذلك حاجات القارة الاجتماعية و الاقتصادية بسبب تراجعها الديموغرافي). هل تغير الجاليات المهاجرة خصائص و هوية أوروبا؟ الإختيار البريطاني الذي يسمح بنمو هذه الجاليات دون فرض أي نمط محدد من الاندماج (كما يحدث في المقابل في فرنسا) كان موضع تساؤل بعد أحداث لندن في يوليوز 2005. إذا كانت بريط&#655

SUPPORT OUR WORK

 

Please consider giving a tax-free donation to Reset this year

Any amount will help show your support for our activities

In Europe and elsewhere
(Reset DOC)


In the US
(Reset Dialogues)


x