ماذا نفكر، ماذا نريد
حوارات ريسيت 22 November 2006

شروط متساوية:
إن خلق شروط حقيقية للحوار بين الثقافات أمر شاق و لكنه شرط أساسي لا يمكن الاستغناء عنه. إن تعقد تبادل الأفكار بهدف تحقيق فهم عميق لمختلف و جهات النظر و السياقات و التقاليد التي من خلالها تتشكل أنماط التفكير التي يقدمها الآخرون مضافة إلى المشاكل المصاحبة دائما للعلاقات السياسية الدولية. لا يمكن تجاهل حقيقة أن الحوار في أكمل صوره –كما نطمح إليه – لا يمكنه إهمال التنوعات السياسية أو علاقات القوة التي تنطوي عليها بشكل مباشر أو غير مباشر ( حسن حنفي). وفي الوقت الذي تبرز فيه – ومن أطراف عدة – درجات من فقدان الثقة و الحقد التي تجد جذورها في التاريخ الاستعماري أو عدم المساواة الاقتصادية أو الحروب أو النزاعات الحديثة و التي تمت معايشتها باعتبارها مذلة. هذه العناصر يجب تحليلها كذلك بالطريقة التي و صفها فريد دالماير "بالأخلاقية – التفسيرية" أي نوع من الحوار الذي يضم كافة المرجعيات الثقافية، الروحية، الأدبية والفنية و فوق هذا كله جميع الطموحات والمعاناة الوجودية وكذلك مقارنة لأنماط الحياة والعقليات المرتبطة بها .

مقارنة العقليات:
الشروط المتساوية و المعاملة بالمثل شيئان شاقان لأنهما موجهان لفهم كل ما ينتهك الطرق العميقة للتفكير في كل مكان : فهي تستوجب على سبيل المثال من الليبراليين الأوربيين فهم ردود فعل المسلمين الغاضبين الذين أهين دينهم كما أنها تستوجب من المثقفين من الدول الإسلامية أن يفهموا أن القمع و العنف ضد الصحفيين و الكتاب لا ينتهك المبادئ المجردة للحرية فقط بل يجرح مشاعر الحرية الموجودة في ذهنية المواطنين الذين كبروا في مجتمعات ديمقراطية منفتحة (أوتو شيلي). إ ن الدفاع عن شروط متساوية في حوار ثقافي مهمة صعبة جدا كذلك، لأن قبول هذه الشروط المتساوية ، حتى ولو بطريقة منهجية يبدو أنه يشرعن الوضع الراهن و بالتالي يعطي المصداقية للذين يُتَهمون بالجور ضد الطرف الآخر. إن هذا التعليق – أو إعادة التأمل- للحقد قضية جوهرية وربما الهدف الرئيسي في كل المشاريع التي تتضمن حوارا . إنه فقط بخلق المناسبات للتلاقي يصبح ممكنا التعود على نظرة أكثر توازنا للآخرين وتطهير الحمولة الزائدة من التوتر التي تنبعث من تعدد السياقات ، التاريخ وعقلية الأحكام السياسية المتنوعة في ما يتعلق بالوضعيات الحرجة التي لا يمكن تجاوزها بشكل مسبق.

الكيل بمكيالين:
إن موضوع الكيل بمكيالين المتكرر هو صيغة تحتوي احتجاجا عميقا ضد خلل في توازن القوة وإدانة لهيمنة الأقوياء على الضعفاء ونقدا للأنانية و المركزية الاثنية للآخرين و التي يتم التعبير عنها بكون المرء يعيش وضع الضحية. إن النقاش الدائر حول وضع" المركز" و "المحيط" بالنسبة "للانا" و"الآخر" هو عنصر مهيمن في نقاش ما بعد الاستعمار و يستند إلى أسس تاريخية أصبحت أثارها أكثر حدة وبشكل خاص في العالم العربي (وبشكل أعم في العالم الإسلامي) بسبب النزاع في الشرق الأوسط وعدم التوازن الاقتصادي. إن موضوع الكيل بمكيالين يتجه ليشمل جميع المجالات ويتضمن اتجاها لهيكلة النقاش المستقطب بين الشرق والغرب ، بين العالم الغربي والشرق، بين أصدقاء إسرائيل و أصدقاء فلسطين، بين الولايات المتحدة و العالم العربي. هناك اتجاه لرؤية الطرف الأخر ككيان وحيد متجانس يتمتع بإرادة ذاتية ويتحمل المسؤولية، وبالتالي اتهام كل " الغرب" أو كل" الشرق" بالظلم، على ذلك يضاف إلى هذا الاستقطاب الذي يجعل مواقف الأخر أكثر تطرفا. هذا تصور لا يمت بأي صلة للواقع من الطرفين سواء تعلق الأمر بموضوع العلاقات مع الغرب ، الحرب في العراق، التعذيب في أبو غريب أو العلاقات داخل العالم الإسلامي حول المقاومة الفلسطينية أو الإرهابيين الانتحاريين، أو حتى العلاقات من الجانبين بصفة عامة فيما يتعلق بمواجهة العناصر الأكثر تشددا وتطرفا وعنفا. إن المبادرات التي تحمل مقاربة ذات رؤية أكثر واقعية ومنسجمة أساسية لتحسين التفاهم المتبادل؛ فنقد الكيل بمكيالين لا يأتي فقط من الأوساط المتطرفة بل يميز كذالك أولئك الذين يتبنون مواقف معتدلة تتوافق مع حاجة غامضة للتوازن تنبعث أساسا من نظرة سطحيّة للآخرين باعتبارهم كتلة واحدة (جوليانو أماتو).

مثال: فيينا-كوبنهاجن
إن حوارا مع المفكر العلماني المصري السيد ياسين، والذي أسس مركز الدراسات الإستراتيجية في القاهرة يقدم نموذجا لهذا
النوع من التشويه. سيتم نشر هذا الحوار و حوارات أخرى على الموقع الالكتروني لجمعيتنا. انه يقحم الكيل بمكيالين في موضوع رد الفعل الغربي العام حول الرسوم الكاريكاتيرية التي نشرتها صحيفة (جيلاند بوسط) الدنماركية وضد العقوبات الجنائية باسم حرية التعبير والصحافة. يلاحظ ياسين أن هذا النوع من ردود الفعل كان شبه غائبا بصفة مطلقة عندما تم الحكم على ديفيد ارفينغ بسبب نظريته التي تنفي وقوع المحرقة. ستتم مناقشة ملاحظات ياسين وبالفعل ستكون هناك مناقشة حول هذا الموضوع وسيتم نشرها في المجلة الايطالية ريسيت وبعد ذلك في الموقع الالكتروني المذكور أعلاه مصحوبا بقالات لمارشيللو فلوريس وميكائيل والزر وآخرين. إن ردود الفعل للإدانة في فيينا و ردود الفعل للرسوم الكاريكاتيرية في كوبنهاجن يجب مناقشتها بنظرة شاملة لأن عواقبها كونية. هذه المقاربة يمكن أن تزود كل واحد ببراهين جديدة. إن النقاش حول المحرقة تتم مقاربته في العالم العربي انطلاقا من معيار تأثير "القوة الصهيونية"، والسخرية من الدين الإسلامي من طرف الصحافة الغربية أو بعض السياسيين غير المسئولين يتم الحكم عليها انطلاقا من معيار الأقليات المسلمة في أوروبا و يطالبون بتعويضات عن الضرر الذي لحق بكبريائهم..

الحوار حول الديمقراطية:
يكون الحوار فعالا إذا ا تمكن من السيطرة على كافة أشكال عدم التناسق التي تقف في طريقه. في نقاشه مع حنفي، يحذرنا فريد دالماير من خطر توظيف هذا اللاتناسق كدرع يسبق الحوار بدلا من توظيفه وتحييده لتحسينه؛ وفي إطار تم تعقيده بسبب الأحقاد والاتهامات المتبادلة بين الغرب والعالم العربي بسبب الأزمة الفلسطينية والحرب في العراق. من الصعب التفكير في إن النقاش حول تقدم الديمقراطية في دول العالم غير الديمقراطية يمكن حدوثه كامتداد خالص « لقوة الإغراء » الذي تمارسه النماذج السياسية الغربية أو كتطبيق لنموذج بيداغوجي حيت يحتل الغرب مكانة الأستاذ بينما يجلس الشرق في مقاعد الدراسة . من وجهة نظر الذين يأملون مثلنا في وقوع تطور شامل للنظم الديمقراطية والمجتمعات المفتوحة، فإن النظرة إلى الديمقراطية كمسلسل يتضمن تفسيرا أو إعادة تفسير لكل واحدة ولمختلف التقاليد و التواريخ الثقافية تصبح مهمة بشكل تزايد. انه من المنطقي الاعتقاد أن تشارلز تيلور، ميكائيل والزر وامارتيا سين؛ على حق في القول بإن كل ثقافة تحمل في طياتها نفس المبادئ و الأفكار القادرة على الهام الناس لتقديم مطالب سياسية، وجعل أشكال الحكم خاضعة للحاكمين و الاعتراف بحقوقهم. هذه المبادئ والأفكار يمكنها أن تشكل مصدر الهام لالتزام بتفسير نقدي لمصادر التقاليد ، الأخلاق و النصوص. (نادية أوربيناتي).

تبادلات الماضي:
إن مقاربة للمراحل التاريخية لهذا التبادل بين الثقافات مفيدة لمقاربة أكثر وعيا و تمفصلا للمشاركين الآخرين في الحوار، خصوصا أن الأوراق المقدمة في مؤتمر القاهرة (بورنيت، كامبانيني، احماد، كوتاس) أكدت في نفس الوقت على السياقات التي جعلت المراحل الأكثر نشاطا من هذه التبادلات ممكنة وكذالك على نماذج الاندماج الثقافي التي تم تحقيقها في العديد من اللحظات المناسبة في التاريخ وتمتد من بغداد إلى النموذج الأندلسي. ترجمة الكتب العلمية من اليونانية إلى العربية خلال القرن التاسع ومن العربية إلى اللاتينية خلال القرنين الثاني عشر والثالث عشر كانت منعطفات و لحظات تطور استثنائي في تاريخ الانسانية يمكن مقارنتها بالثورة العلمية الأوروبية خلال القرن السابع عشر. إن التبادلات تنبعث من الحاجة التي تحس بها ثقافة ما لملأ بعض فراغاتها كما حدث للعالم اللاتيني للقرون الوسطى الذي كان لديه اختصاص في الرياضيات, الفيزياء والطب (بورنيت). إن معرفة أكثر عمقا بالخلفيات تساعد الحوار لأنها تسمح للمرء بملاحظة الوضعية الراهنة داخل نطاق زمني دنيوي,، تضع الاختلافات الحالية داخل إطار تاريخي وتغني الوعي بأبعاد أخرى مقارنة بالتي ينتمي إليها المرء أو التي ألفه و تنشط التفكير حول المناهج الدراسية في بلدان مختلفة وتساهم في إلغاء عدم الثقة و تقترح مبادرات للمستقبل لتثمين معرفة تاريخ الآخرين الذي يعقد و يمفصل آفاق المرء في نفس الوقت و يمنع تشكل كتل متجانسة و مقولبة.

الاستشراق و الاستغراب:
إن صيغة توظيف "الاستشراق و "الاستغراب " كعلامات لحاويات التشويه المتبادل مقبولة بصفة عامة أو لا تتم معارضتها بالرغم من أن المصريين بطريقة غير مباشرة أو بإيحاء طالبوا بنوع من الحق في إسقاط ادوار مر حلة معينة من " الاستغراب" كدراسة لـ »أنا-المركز" من طرف "الآخر-المحيط" إذ يصبح الآخر أنا. من جانب آخر فان كلمة الاستغراب لا تدل فقط على تشوه بل كذالك على دورة كاملة من الدراسات التاريخية التي قام بها الغرب. فالاستغراب حسب رواية مركاليت –تم اشتقاق هذه الكلمة وفقا لنموذج رد الفعل المناهض لتحديت الثقافة والذي كانت نتيجته ظهور الانتحاريين اليابانيين خلال الأربعينيات- هو على الأصح وعاء يحوي تشوهات الحضارة الغربية إلى تدهور العدو و فضح "وثنيته » (كما في النصوص المقدسة) لعاصمة الإثم والاستهلاكية والعدمية. إن استغراب مركاليت ليس بالضبط مرآة لاستشراق ادوارد سعيد و ولكن مساهمته تحقق اختراقا : في الكتاب الذي كتبه مع ايان بوروما والورقة التي قدمها في روما تم التعبير عن موضوع الحضارة كما يراها الجنوب أو الشرق للتأكيد على إن الصراع ليس « بين الثقافات » ولكن « بين الثقافات والحضارة وبالتالي الحداثة. ولكن حتى أولئك الذين يطالبون بافتخار –بدافع التناغم- بالحق في مرحلة ما بعد الاستعمار لدراسة الغرب « الآخر » يقرون حينئذ بالحاجة إلى النظر « بعيدا » عن هذه المرحلة (حنفي).

بين العلمانية والإصلاح الديني:
الحوار بين المثقفين من الدول الإسلامية و نظرائهم الأوروبيين والأمريكيين، خصوصا مع المصريين والإيرانيين، بالرغم من الاختلافات الكبيرة في هذه السياقات؛ يؤكد نقاشا معقدا داخل الإطار الثقافي للبلدان الإسلامية بين ما يمكن تسميته بمدرسة علمانية للتفكير و أخرى للإصلاح الديني. مثقف مشهور كالسيد ياسين يعرف نفسه و الدولة المصرية على قاعدة الفكرة العلمانية. آخرون كمحمد سلماوي، رئيس اتحاد الكتاب المصريين يفضل وصف نفسه بانه « متحضر » لأنه يعتبر ان مفهوم العلمانية يحمل في طياته معارضة مؤكدة ومبالغا فيها للدين ولأن وصف الدولة المصرية على أنها علمانية بالرغم من كونها ، أكثر "علمانية » من بقية الدول في العالم الإسلامي يعني وصف وضعية أكثر ملاءمة للدول الأوروبية. وإذا اتخذ المرء النموذج الأوروبي كمعيار للعلمنة فانه لا يمكن وصف الدولة المصرية بأنها "علمانية " بنفس الطريقة (سلماوي).
يتجه الحوار في بعض الأحيان داخل العالم الإسلامي ليصبح منفتحا بين المثقفين "العلمانيين"-بالمعنى المتعدد لمفهوم الليبراليين (الرجاء الإطلاع على أعمال فيلالي انصاري و غانم جهانبكلو) الملتزمين بتحديث المؤسسات داخل بلدانهم لكنهم ليسوا طرفا في النقاش التيولوجي؛ وآخرون يؤمنون بأنه ضروري بل لا يمكن الاستغناء عنه للسماح بتطور ليبرالي للقواعد و القوانين في الدول التي تنتمي إلى العالم الإسلامي، والقيام بتفسير لنصوص القران والسنة يسمح بفهم السياق التاريخي التي فهمت فيها بعض التصريحات في حقب مختلفة لتحقيق فهم اكبر لمعاني هذه النصوص في العصر الحالي . هذه قطاعات النقاش التي غالبا ما لا تلتقي,، في بعض الأحيان تعارض بعضها بعضا، وكثيرا ما تتجاهل بعضها بعضا. هناك نقاش واسع في مصر في الوقت الراهن حول الدور الذي يجب أن يلعبه الدين ؛ وانتخاب أقلية مهمة من النواب المنتمين إلى حركة الإخوان المسامين جعله أكثر حدة.
بأشكال مختلفة عن تلك الموجودة في أمريكا و أوروبا، يعيش العالم الإسلامي مسلسلا يتضمن عودة إلى الروحية الدينية التي لا تعبر عن خضوع لأنظمة تيوقراطية. وإذا كان هذا مشجعا خلال أيام السادات فانه لم يكن كذالك خلال فترة مبارك. وبدلا من ذلك يمكن استعمال كلمات الخضوع و القمع لوصف عدد من الوضعيات كإيران ، حيث كانت موجة التدين قوية جدا خلال أيام ثورة الخميني ولكن انخفضت بعد ذلك تماشيا مع فقدان نظام الملالي للشعبية. مثقفون كعبد الكريم سوروش ، إيراني وشيعي، نصر أبو زيد، مصري و سني؛ يدعمون الإصلاح الليبرالي,، إصلاح ليبرالي و ديمقراطي كامل؛ مؤمنين بإمكانية تعبيد الطريق لهذه الإصلاحات كعلماء لاهوت مجددين.
إن تعقد وكذلك الأهمية القصوى لهذا النقاش تستوجب التطرق لموضوع العلاقات بين: "العلمانية, الليبرالية والإصلاح الديني" كموضوع مركزي، وكذالك كمركز اهتمام للقاءاتنا المقبلة. سيبدأ الموقع الالكتروني للجمعية هذا النقاش فورا بمقالات لياسين، سلماوي، حنفي و آخرين.

الخلافات حول موضوع الدين:
يشكل تأثير الدين على الحياة السياسية موضوعا لنقاش واسع في العالم اجمع، في الغرب و الشرق على حد سواء. إن تيمة " ما بعد العلمانية" المقدمة في السياق الأوروبي من طرف كلاوس ادير و يورغن هابرماس تتطرق لقضية تهم العالم الإسلامي كذلك: عودة الين إلى المسرح العمومي, قابليته للرؤية أكثر و مطالبته بتأثير أكث

SUPPORT OUR WORK

 

Please consider giving a tax-free donation to Reset this year

Any amount will help show your support for our activities

In Europe and elsewhere
(Reset DOC)


In the US
(Reset Dialogues)


x