اسلام البلقان: عالم غير مكتشف
ماتيا دل كونيرو 18 September 2011

نظر الى تلك الصورة على انها مبالغ فيها وتأثرت برغبة الصحافة بالاثارة ، كما وصفها الخبراء بانها مجرد توصيفات اعلامية تعميمية . احيانا كانت هنالك تعبيرات راديكالية ، لكن الاسلام في يوغسلافيا السابقة لم يكن جهاديا ابدا، كما انه ليس متجانسا كما توحي نظرية الحزام الاخضر . انه في الحقيقة اسلام بأوجه واشكال واعراف وتقاليد متعددة.

الطقوس والمعتقد

تنتمي المجتمعات الاسلامية في يوغسلافيا السابقة الى اربعة جماعات اثنية- لغوية ، اكبرها تتشكل من السلاف . المسلمون من اصل اثني ولغوي سلافي سكنوا اساسا في البوسنة وبعدد اقل في كوسوفو ، وكذلك في المناطق التاريخية للصرب ومنطقة مونتينيغرو سانزاك.  وبالاضافة الى السلاف ، هنالك جماعات تتحدث الالبانية وتتواجد في كوسوفو ومقدونيا وبعدد اقل في مونتنيغرو ، وجماعات تتحدث التركية (وتتواجد في مقدونيا وبعض مناطق كوسوفو) ، والروما ، وهي تنتشر في معظم اجزاء الاقليم.

هنالك ايضا اختلافات عديدة فيما يخص الشريعة الاسلامية . فمعظم تلك الجماعات تتبنى الحنفية ، وهو احد المذاهب الاسلامية السنية الاربعة . ويمكن تتبع جذور ذلك الى عصر الامبراطورية العثمانية التي لعبت دورا في ترسيخ الاسلام في البلقان ، وقد كانت الحنفية مذهب الدولة العثمانية الرئيسي.  

 

ومن بين الفرق الاسلامية الاخرى المتواجدة في المنطقة هناك العلويون والبكتاشيون ، بدون ان نذكر الطرق الصوفية . لذلك ، يمكن القول ان الصورة شديدة التنوع.

عامل الهوية

على الرغم من تنوع الطيف الاسلامي في البلقان ، فان هنالك خاصية واحدة يتشاطرها المسلمون هناك ، واقصد بها ان الدين الاسلامي اليوم لديه سمات تجعله يبدو الى حد كبير كهوية جمعية . وفي حالات كثيرة يقوم ذلك على رابطة ملموسة بين الالتزام الديني ، والانتماء الى جماعة اثنية متميزة ، و “الايمان” بالقضية الوطنية . يمكن ان نعثر على تفسير لهذه الظاهرة في الصراعات التي شهدتها تسعينيات القرن الماضي ، وبمعنى اوسع ، في العملية التي أدت الى تفتيت يوغسلافيا. ان تفكك الدولة الفيدرالية وولادة العديد من الاوطان الصغيرة (سبعة بلدان جديدة)، واستخدام النظريات الاثنية لتبرير الحروب ، جعل المجتمعات الاسلامية مرئية اكثر ، مما حول دورها من وضع الاقلية الدينية الى التعبير عن امة او دولة-امة ، كما طرح الخبير الفرنسي خافيير بوغاريل خلال حوار اجراه قبل عام مع موقع “مراقبة البلقان والقوقاز” الالكتروني وهو اكثر المواقع الايطالية تركيزا على الاحداث التي تقع في الجانب الاخر من الادرياتيك.

لذلك فان المسلمين في البوسنة استخدموا الاسلام خلال وبعد الحرب بهدف تمييز هويتهم الثقافية-التاريخية وفصل انفسهم من المجموعتين الاثنيتيين الاخريين : الكروات والصرب . وفي مقدونيا ، اعاد الالبان اكتشاف الاسلام من اجل تحقيق وحدة اوسع في مواجهة الاغلبية السلافية على الرغم من حقيقة ان ايمانهم كان اقل سوخا . وحصلت قصة مشابهة في مونتنيغرو ساندزاك وحتى في ساندزاك الصربية ، وينطبق الامر ايضا على الفصل بين مقدونيا وكوسوفو ، على الرغم من وجود اختلاف يتمثل في ان الالبان في كوسوفو يمثلون مجموعة الأغلبية .

الحالة البوسنية

تعتبر البوسنة حيزا يلعب الاسلام فيه دوار اكثر اهمية سواء من الناحية العددية حيث البوسنيين (او البوسنيين المسلمين كما يطلقون على انفسهم ) يشكلون غالبية السكان ، او سياسيا حيث تصاعد دور الاسلام وتعززت قيمه خلال وبعد الحرب في العلاقات والخطابات العامة. دعونا فيما يلي نستكشف بشكل مختصر كيف حصل هذا التطور.  

 

ظهر الاسلام السياسي قويا في البوسنة عندما نشر اليجا ازيتبيكوفيك ، الذي سينتخب في التسعينيات رئيسا للبوسنة ، الاعلان الاسلامي عام 1970 . واقترح فيه علاقة أوثق بين الدين والسياسة ، ضمن اطار يقبل الثقافة الغربية وبدون ان يكون الهدف النهائي اقامة دولة اسلامية. وقد قامت السلطات اليوغسلافية باعتقال ازيتبيكوفيك.

في عامي 1990-1991، عندما بدأت رياح الحرب تحلق في سماء البوسنة ، عادت القضية الاسلامية للظهور على المسرح واصبحت الوتد الذي تقوم عليه عملية اعادة تشكيل هوية الثقافة البوسنية . بات الدين عاملا توحيديا بالنسبة للمسلمين البوسنيين ، ووسيلة لتمييز هويتهم التاريخية-الثقافية عن الصرب والكروات.

وخلال الحرب ، التقت هذه الدينامية مع وصول الاسلام الراديكالي الدولي . الكثير من المجاهدين ، لاسيما اولئك القادمين من العربية السعودية ، وصلوا الى البوسنة وانضموا الى الارميجا ، اي الجيش البوسني ، حيث قاموا “بتجريب” الحرب الجهادية كما يرى بعض الخبرا.

 

وبعد توقيع اتفاقيات السلام في دايتون ، انتقل البعض الى الجبهة الشيشانية ومن ثم الى العراق وافغانستان ، بينما بقي البعض الاخر في البوسنة ليشكل جيوب لحركة اسلامية راديكالية تضم مجموعات محدودة.

 

وبعد أحداث 11 سبتمبر قامت كل من الولايات المتحدة والاتحاد الاوربي بتسليط ضغوط على سراييفو من أجل طرد المحاربين القدامى الذين أُعتُبروا خطرين ، وقد استجابت النخبة السياسية البوسنية لهذه الضغوط الى حد كبير.

واليوم بعد عشرين عاما من الحرب تعزز الاتحاد بين الدين والسياسة. رجال الدين لديهم نفوذ كبير على النخبة السياسية ، ولكن ذلك يحصل في كل مكان في البلقان ، بما في ذلك البلدان الارثوذكسية . ولحزب العمل الديمقراطي الذي يعد الحركة السياسية الرئيسية في البوسنة وقد أسسه ازيتبيكوفيك ، برنامجا ملئ بالأخلاقيات الاسلامية . لكن لا توجد هنالك توجهات راديكالية او اي اشارات الى الشريعة الاسلامية. بالاضافة لذلك فان سراييفو، عاصمة البوسنة والمعقل القوي للمسلمين ، ليست ابدا “طهران اوربية” كما يحاول الصرب ان يصفونها في دعايتهم . لكن المدينة التي تعززت سمعتها في السابق بوصفها “قدس اوربا” بفعل تراثها الصربي والاسلامي والكرواتي ، ليست اليوم سوى ذكرى آخذة بالافول.

SUPPORT OUR WORK

 

Please consider giving a tax-free donation to Reset this year

Any amount will help show your support for our activities

In Europe and elsewhere
(Reset DOC)


In the US
(Reset Dialogues)


x