الحرام الذي تمارسه بوكو حرام
مروان الحسيني,عمان، الأردن 10 June 2014

إن اختطاف طالبات المدارس في نيجيريا من قبل من يسمون أنفسهم “بوكو حرام” هو عمل من أعمال التعذيب والإرهاب ضد أرواح بريئة. في الإسلام، كما في الأديان الأخرى، يعتبر الأذى ضد الأطفال عملاً من أعمال الشر. ولا يختلف هذا الفعل عن الوأد، وهو دفن الفتيات الصغيرات وهن أحياء. والوأد “حرام” في القرآن: “وإذا الموؤودة سئلت، بأي ذنب قُتلت” (سورة التكوير 8 و9).

إن مشكلة “بوكو حرام” وأمثالهم هي أنهم يتصرفون ضد جميع النواميس البشرية. إنهم يريدون أن يفرضوا تصورهم الخاص لـ “الإله الغاضب المنتقم” على التصورات الأخرى لـ “الإله الإنساني” الذي يُعتبر تطوراً طبيعياً للتفاعل بين الإنساني والمقدّس. هذا “الإله الإنساني” لا يناسب إطارهم السلطوي. فالعقلية التي يديرون بها حياتهم ومناهجهم تجاه ما يحيط بهم هي عقلية “الإله المتفوق والمتسلط”. وهذا يستتبع تفسيراً قديماً ومختلفاً لمفهوم “الإله”.

تبدأ كل سورة في القرآن (ما عدا واحدة) بالبسملة. وكل فعل بشري يفترض أن يبدأ بالبسملة. وبدء كل فعل يقوم به البشر بعبارة “بسم الله الرحمن الرحيم” هو اعتراف وتأكيد على المواقف الإنسانية الأساسية تجاه كل شيء في الحياة. فالرحمة والنعمة هما من اللبنات الأساسية التي تتكون منها الحياة على الأرض.

إن أفعال “بوكو حرام” تتنافى مع مفهومي الرحمة والنعمة. وفي مستوى أعمق من محاولة تفسير هذه الأفعال، على المرء أن يقول أن هذه المجموعات تنتسب إلى صورة مشوَّهة للإله ولأنفسهم. “الهيمنة والشمولية واحتكار الحقيقة ووكلاء الله على الأرض” كلها مفاهيم منتهية الصلاحية تعود إلى حقبة قديمة من التفاعل بين السماء والأرض. والعودة إلى مثل تلك الحقبة تؤكد أن أولئك الذين ينتسبون إلى هذه المفاهيم يعملون على تفعيل الصور التي يحتاجونها لخدمة مصالحهم فقط.

إن عبادة الله في الإسلام مرتبطة بالسلام، سواء كان سلام العقل أو الجسد. يقول القرآن: “فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف” (سورة قريش 3 و4).

بالنسبة لي، كمسلم ينتمي إلى ثقافة تاريخية غنية بالمعاني اليهودية والمسيحية والإسلامية، يُعتبر إرهاب الأرواح الإنسانية فعلاً مضاداً لله. فالإساءة إلى صورة ومعنى “الله الرحمن الرحيم” هي إساءة ضد الإسلام، وخصوصاً عندما تتم من قبل الذين يدعون ارتباطهم بالإسلام، بطريقة أو بأخرى. أصاب بالصدمة دائماً عندما تُمنح المبادىء الدينية والإنسانية البسيطة والأساسية تفسيرات خاطئة من أجل الحصول على مكاسب القوة. فالمعنى الحقيقي للقوة في الإسلام هو الرحمة والمحبة.

في الحديث الشريف، يقول الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم): “كلّ الْمُسْلِمِ عَلى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالهُ، وَعِرْضُهُ”. ومن المستغرب جداً، في قرننا الواحد والعشرين، أن تكون الفعالية الذهنية (أي الكتب: وهذا معنى بوكو) فعاليةً محرّمة، بينما لا يتم تحريم إرهاب الأطفال والناس وأذيتهم. في هذا السياق، “بوكو حرام” أنفسهم هم الحرام بعينه.

لكي يقتنع العالم بشكل حقيقي أن الإسلام دين محبة وسلام، على المسلمين إعادة النظر في الهوية الجمعية التي يبثونها للآخرين. وخطوة أولى نحو هذه الغاية هي القيام بإيصال هذه المعاني من خلال التعبيرات الفاعلة للهوية. الكلام وحده لا يكفي. لا بد من الأفعال إذا أردنا أن يفهم العالم حقاً جوهر الإسلام.

لا أقول أن المسلمين وحدهم هم سبب سوء الفهم العالمي هذا. إلا أن من واجبهم أن يوصلوا الرسالة الحقيقية للإسلام إلى السياقات العالمية باستخدام وسائل سليمة وعملية. كما أنه من واجب غير المسلمين أن يفهموا تفاصيل الأوضاع الكلية قبل إطلاق الأحكام.

ربما ما يساعد في هذا الخصوص هو اعتراف ذاتي من قبل السلطات والمرجعيات الإسلامية أن ثمة أزمة هوية يجب معالجتها. إن إعادة النظر في المواقف الأساسية تجاه الحياة المعاصرة، بالعمل لا بالقول، تشكل خطوة أساسية نحو تحقيق هذه الغاية.

(ما ورد في هذا المقال يعكس وجهة نظر كاتبه، ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر CNN )

SUPPORT OUR WORK

 

Please consider giving a tax-free donation to Reset this year

Any amount will help show your support for our activities

In Europe and elsewhere
(Reset DOC)


In the US
(Reset Dialogues)


x