حوار
بقلم: فريد دالماير 7 June 2010

أما لماذا برز الحوار كمصطلح شديد الأهمية اليوم ؟ فلأنه يشير الى عكس ما يذهب إليه التفكير الأحادي، ولأنه ينطوي على دلالة التعاون والاحترام المتبادل وبالتالي فإنه يقدم مرجعية للوفاق والسلام بين الأفراد والمجتمعات. هذا المصطلح هو أيضا مهم جدا في الفلسفة. كلمة “حوار Dialogue” مشتق من اللغة الإغريقية وهي مؤلفة من جزئين: Dia وLogos، الجزء الثاني يعني شيئا قريبا من الفكر أو المعنى أو الكلمة، بينما الجزء الأول يشير إلى “الشيء البيني” أو “العلاقة البينية”، وبالتالي فإن Dialogue تعني أن الفكرة لا يمكن أن تُحتكر من طرف واحد بل هي تظهر عبر التفاعل والتواصل بين الأطراف. لذا فإن Logos هنا هو فكرة مشتركة تعتمد بشكل أساسي على مشاركة العديد من الناس.

ومن هذه الزاوية يمكن أن نعتبر التحول باتجاه الحوار جزءا لا يتجزأ مما يسمى بـ”التحول إلى اللغة” كأحد السمات الأساسية للقرن العشرين. هذا التحول اللغوي مثل الابتعاد عن الفلسفة المتمحورة حول “الأنا” الفرد وحول الوعي الذاتي، أو ما يسميه ديكارت بـ “الكوجيتو”. تضمنت عبارته الشهيرة “أنا أفكر إذن أنا موجود” الاعتقاد بأن الحقيقة يمكن أن تُعرف عبر الأنا المفكرة وحدها بدون حاجة للرجوع إلى أناس آخرين. كانت الفلسفة الغربية منذ ديكارت إلى حد كبير غير معنية باللغة أو بالتواصل، ومعرفة الحقيقة بالنسبة إليها كانت تقوم على التفكير الفردي الذاتي.

خلال القرن العشرين ساهم الكثير من الفلاسفة في تحدي وتغيير هذا النوع من الأحادية والذاتية. لودويج ويتغنستون عرف باعتقاده أن الحقيقة والفكرة والمعنى هي بالضرورة من سمات “اللعبة اللغوية”، لكنه لم يتمكن من تطوير نظرية واضحة في الحوار. الأسس الرئيسية في هذا الاتجاه بناها العديد من المفكرين الأوربيين المهتمين بالفينومينولوجيا والوجودية. مارتن هيدغر مثلا أكد على مركزية اللغة في المعرفة البشرية وفي الإدراك وفي تشكيل الأرضية لنمط حواري من التفاعل. معاصره كارل ياسبيرز طور نظرية في التواصل الوجودي كشرط لفهم الذات لدى الإنسان. وفي نفس الوقت، قام مارتن بوبر بصياغة فلسفة بل وحتى لاهوت مختصين بـ”البينية” القائمة على علاقة تواصلية بين “الأنا والآخر”. ويمكن أن نطلق على هانز جورج غادامير، وهو احد طلبة هيدغر، لقب الفيلسوف الرئيسي للحوار بسبب إصراره على أن كل تقابل إنساني أو كل تفسير للنصوص لابد أن يعتمد على الحوار بين مشاركين لديهم الإرادة على تجاوز تمحورهم الذاتي باتجاه “مزج الآفاق”.

وقد اتبع كل من غابريل مارسيل وبول ريكور في فرنسا منهجا مشابها. كل هذه المبادرات الفلسفية والفكرية التقت مع بعض لتضع في موضع المسائلة موقف الاعتماد على “كوجيتو” ديكارت والفكر الغربي التقليدي القائم على المركزية الأحادية. ولكن لسوء الحظ، سيستغرق الأمر وقتا مهما قبل أن تترجم هذه الطروحات الفلسفية إلى مواقف سياسية عملية. ولذلك فان مفهوم الحوار ما زال يكافح لمواجهة الأحادية السياسية و”الصدامات” الناتجة عنها على مستوى المجتمعات والشعوب.

الترجمة: حارث القرعاوي