تايلور: المطلوب من أوروبا التواضع
حاوره جيانكارلو بوزيتي 15 March 2007

كان تايلور الفيلسوف الكندي، الكاثوليكي قريبا جدا من يوحنا بولس الثاني من الناحية الثقافية، معروفا في العالم بأسره بالسجالات التي قسمت الليبراليين و المدافعين عن الجاليات، كان مع البابا إلى جانب هؤلاء الأخيرين . آخر كتاب له عنوانه "المخيالات الاجتماعيين العصريين" (الترجمة صدرت عن دار النشر الإيطالية متلمي) و في نفس هذا الموضوع قدم مؤخرا درسا بكلية علم الاجتماع بجامعة ميلان بيكوكا في سياق الكلية الدولية القرائية تحت عنوان " الديمقراطية و التغييرات الاجتماعية "

تحاول أفكارك أن تناقض البعد الأحادي، و تقترح انفتاحا على فهم الآخر. ما هو مجرى هذا السياق الذي يتجه بالعقل إلى الإنفتاح على أبعاد أخرى ؟

تحتاج مؤسسات أي مجتمع إلى فهم مشترك بين أفراده. هذا لا يعني بالضرورة و جود نظرية موحدة، لكن نوع من الفهم الذي لا بد من محاولة إيجاده بالربط كما يفعل الأنثروبولوجيون. هذا هو التمثل الاجتماعي، هو كل يجب فهمه جماعة للتمكن من الحفاظ على المؤسسات كالتصويت، الاختيار الذي نقوم به في الانتخابات، كالتظاهرات مثلا إلى غير ذلك، و هذا ما أحاول دراسته في حالة الحداثة الغربية : بأي طريقة تطورت عبر الزمن خيالات خاصة جدا بالحداثة الغربية ؟


لكن اليوم على الساحة ليس هناك فقط الإشكال العرقي لعدم النجاح في الفهم، هناك على الأصح صراعات، هناك الحرب، لذا ما الذي يتوجب البحث عنه؟ سنكون محتاجين إلى نوع من فكر قادر على بناء نوع من جسور للفهم، فهم قادر على بناء جسور. ما ذا يلزم لتنمية هذه القدرة ؟

ليست فكرة هي القادرة على فعل هذا، المقصود هو طريقة عمل قادرة على مساعدتنا للتوصل إلى هذه النتيجة. لابد من فهم التمثلات الاجتماعية للحضارات الأخرى و الشعوب الأخرى . و لذا يتوجب أن نكون واعين بأن ليس فقط تمثلاتنا الخاصة هي الوحيدة الممكنة لكل الكائنات البشرية، الذي نراه غالبا هو وسطية ذاتية، بمعنى إسقاط تمثلنا الخاص على الآخر ، كما لو أن الآخر يسير على نفس المفاهيم، نفس الأفكار. من جراء هذا، يبدو الأخر لا أخلاقيا بالمرة لأنه، و رغم تقاسيمنا لنفس الآداب العامة، يفعل العكس ! غير أنه للتمكن من فهم الآخر، يجب الوعي بأن تمثلنا خاص جدا، هو شيء قمنا بتنميته عبر الزمن ، بأنه لم يتم تقاسمه مع كل الناس، في كل العصور، وهذا الإحساس بالاختلاف، بالذي هو خصوصي ذاتي و بالذي يختلف عند الآخر. هذا هو الإحساس الذي يجب تقويته. هذا ما حاولت قوله في هذا الكتاب مثلا، هو العمل على أن تكون خصوصيتنا – الخصوصية الغربية – واضحة في أعيننا، حتى ننجح في الإدراك بأن في موضع آخر غالبا ما تكون الأشياء مختلفة تماما، سواء بالشرق الأوسط أو بالهند، أو بإفريقيا. و من هنا يبدأ العمل للدراسة، لفهم الآخر.

لكن لماذا هذا الإحساس يكون أكثر أو أقل تشكلا عند أشخاص، في ثقافات و في أزمنة تاريخية ؟

أظن أن الفضيلة الأكثر أهمية هي التواضع ، يعني القدرة على تقبل كون الآخرين ليسوا مثلنا، بأن ليس لدينا نموذج عالمي، بأن هناك طرق أخرى لوجود كائنات بشرية بأن طريقتنا ليست إلا طريقة ضمن طرق أخرى متعددة. و هذا التواضع هو الذي لا ينقصنا في الغرب، لأننا الحضارة التي هيمنت لبضعة قرون ومازالت لدينا ارتكاسات في هذا الاتجاه : نحن هم الذين على حق، نحن هم الذين وصلوا قمة الرقي و كمال الإنسان. ليس على الآخرين إلا أن ينقلوا منا للمشي قدما. وغياب هذا التواضع هو الذي يمنعنا من رؤية ما يوجد غالبا أمام أعيننا : اختلاف الآخرين. لذا أظن أن الفضيلة الرئيسية التي يتوجب غرسها هي التواضع .

لكن هل ستكون القدرة على فهم متبادل بين مختلف الثقافات رهينة دائما بإرادة الذين هم أكثر قوة ؟

نعم، الأكثر قوة هم الذين يمثلون الخطر في هذه الحالة، هم القادرون غالبا على رفض التفهم ومحاولة رفض التفهم لأنهم يظنون أنهم على حق. مادمنا أقوياء، نهيمن، نظن أننا على صواب، طبيعي للمهيمنين أن يظنوا أنهم على صواب. و لهذا احتفظ الغربييون على هذا العيب. لكن عندما ننظر إلى ثقافات أخرى قوية جدا، كالثقافة الصينية نرى الى حد ما نفس الشيء : يوجد عند الصينيين إحساس بوجودهم في مركز الكون و النظر نوعا ما إلى الثقافات الأخرى من الأعلى إلى الأسفل. و أظن أنه يخشى من مواجهة بين الأمريكان و الصينيين على أعلى مستوى، لأنهما الشعبين اللذين يظنان أنهما في مركز العالم.

لكن عندما نفتح حوارا واقعيا بين الثقافات، نرى بوضوح تأثير النظرة المشوهة التي يلقيها الغرب على الشرق ( سماها إدوارد سعيد بالإستشراق ) نظرة معيبة بالاستعمار و بالإمبريالية، الإحساس بالرفعة مثلما تشوه النظرة التي يلقيها الشرق أو الجنوب على الغرب ( ما كان سماه بوروما و مرغلي استغراب ( نظرة معيبة بحقد ما بعد الاستعمار، بالحرمان و بمركبات نقص. (لكن في هذه الوضعية، لا يمكن للأمور أن تسير قدما، نحتاج إلى قرون لكي نتوصل إلى التكافؤ و الوعي الضروريين لفهم متبادل.

في هذه الحالة العلاج الوحيد هو إيجاد، في كل من هذه الحضارات، الأشخاص القادرين على التحاور، على الكلام. يجب ربط الاتصالات و التأييد المتبادل، بهدف إعادة متطرفينا إلى صوابهم، لأن من البديهي أن المتطرفين يوجدون في كلا الجانبين. ليس قطعا بالصحيح، أن كل المسلمين يفكرون كأسامة بن لادن. و ليس كدلك صحيحا أن كل الغربيين يفكرون كبوش أو برلوسكوني. لدينا رجالنا المتوحشون و هم لديهم رجالهم المتوحشون. و السبيل الوحيد لإعادتهم إلى صوابهم هو الوصول إلى ربط اتصال، الوصول إلى فهم متبادل مع الأشخاص الذين نقدر أن نتحاور معهم في الجانب الآخر. لكن مازال كره الأجانب يحفر الخنادق. إبراز الأخر كعدو لنا هي لعبة جد سهلة للعب عوض الحوار. فعلا، تتشبك حرب الحضارات هذه، لأنه يتم إقناع الناس من هذا الطرف و ذاك بان كل الآخرين هم ضدنا بأن ليس هناك شخص يمكن التخاطب معه في الجانب الآخر، هذا ما يحاول بن لادن القيام به في الشرق الأوسط، و هذا ما يحاول المتطرفون الغربيون القيام به في أوروبا و أمريكا : جميع المسلمين متعصبين، كل العرب هم ضدنا، ينشرون هذه الفكرة . و إذا لم يكن تعارف متبادل فيما بيننا – نحن الذين نريد العيش معا في الحضارتين – منحنا القوة لمتطرفينا ونسير مباشرة نحو حرب بشعة، ستفرز خسائر غير متوقعة بتاتا. إذن هذا هو نوع الاتصال الذي يلزم إيجاده. من بين معارفي بين العرب، الخ. و جدت أشخاصا عاقلين الى أبعد حد، لكن يشعرون بدورهم أنهم محاصرون بمتطرفيهم .

تتحدثون في بعض الأحيان عن "إ قيليمة" أوروبا ماذا تريدون أن تعنون بهده العبارة ؟

هذا يعني أنه علينا الاعتراف بأننا ثقافة من بين ثقافات أخرى ، الأقلمة هي بالتحديد البساطة التي كنت تحدثت عنها آنفا : ليست أوروبا كونية، أوروبا هي إنجاز هام في التاريخ البشري، بعجائبها، بجوانبها المذهلة ، مثلما بعيوبها، لكن ليست بالجواب القطعي الأخير للغز الإنساني.

لكن أوروبا تعني أيضا علمنة و مفهوم أكيد لحرية الفرد. كيف نستطيع تجنب الاستسلام للنسبوية التي لا تقدر على التفريق بين الحرية و انعدام الحرية ، بين نظام ليبرالي و نظام استبدادي ؟ كيف يمكن تحاشي وضعية لا نميز فيها بوضوح بين الحرية و انعدام الحرية ؟

أظن أن الجميع يملك القدرة على فعل هذا و أن من بعض ا لنواحي ، الناس كلهم يرغبون في الحرية ، لكن قد يحصل أن يفسرونها بأشكال مختلفة. عندما يتعلق الأمر بالدكتاتورين الذين يزعمون أنهم يخدمون الحرية ، أظن أن لا أحد يمكن أن يقاد نحو الخطأ . لا أحد مغفل . لنأخذ الصين: عندما تقول الحكومة أنها تضمن حرية الصينيين ، لا أحد يثق في ذلك . عندما يدعم الأشخاص النظام فلأن لهم أهداف أخرى ، لأنهم وطنيون جدا أو يريدون الكبر بسرعة و يقبلون بأن يضحى بالحرية . لكن أظن أن لا الألمان تحث هتلر و لا الروس تحث السوفييت;hk,h يؤمنون بأنهم أحرار. الحرية منفعة مهمة، لكن لسنا بأكثر بعدا من بعضنا البعض عندما أتينا على تعريفها. بالتأكيد، هناك اختلافات كبيرة يجب فضها بين الشعوب، على سبيل المثال علاقة الحرية بالدين، لكن ثمة عدد لا بأس به من العناصر المشتركة كي نقدر على فتح حوار مع أصحاب الحضارات الأخرى حول الحريات، حول أنجح الطرق لضمانها.

لكن أريد القول أنه لا يمكن رهن كل الثقافة السياسية، ما نستطيع اعتباره إرث الأنوار و مفهوم الديمقراطية بعينه، إذا أردتم، كما لو الأمر يتعلق ببعض الأشياء العرقية. مثلا، تعتبر حقوق المرأة ، أو حقوق صحافة المعارضة خصائص عامة لنوع من الثقافة السياسية و الحقوق التي نحبها لكن ليس فقط نحن، الأروبيون، كإقليم ……

و يحبها أيضا معظم الناس. هذا واضح، مثلا هناك بعض الحقوق التي نسميها أساسية، كانت قد تطورت بطريقة أو بأخرى بأوربا، لكن مع ذلك لم تكن قد استوردت فقط من طرف الأوروبيين. لنأخذ على سبيل المثال الديمقراطية، أخذناها من اليونان و طورناها أكثر، لكن عندما ننظر إلى الديمقراطية التي تتطور في الجزء الآخر من العالم، على سبيل المثال في الهند، أدركنا أنها ليست النسخة الأصلية لديمقراطيتنا. نرى أن هذا يتم بطرق أخرى، عبر مسلك آخر، بمؤسسات أخرى، بسيرورة سياسية أخرى، وهنا يتوجب التواضع . أومن بأن الديمقراطية قيمة عالمية، موافق، لكن تتحقق بطرق مختلفة في حضارات مختلفة، و علينا احترام هذه التنوعات. عندما ينعدم هذا الاحترام، نصل إلى سياسات كسياسة جورج بوش الذي يقول فعلا: "نحن الأمريكيون ، عندنا الجواب الأخير للديمقراطية، سنفرضها في كل مكان" و هذا يؤدي إلى كوارث مهولة حتما. في حين عندما ننظر إلى الديمقراطية الناجحة مثلا في اليابان، في الهند، تتم دائما بإقامة وزن لاختلاف ثقافي كبير، منطلقين من عاداتهم، من مؤسساتهم، من طريقة عملهم. و هكذا نستطيع حقا تعميم بعض هذه القيم المفاتيح. ليس بفرض النماذج التي طورت بأوروبا. هذا بالضبط هو الذي أحاول تفاديه. لكن هذا لا يمنع أنه بمقدورنا ملاحظة في نهاية كل هذا، أنه مع ذلك، يوجد عبر كل الحضارات قيم مشتركة عميقة، رغم اختلاف تنفيذها.

من بين هذه المبادئ العامة. هل توجد أيضا علمانية أو على الأقل بعض درجات الفصل بين الدين و السياسة.

ذلك مرتبط بالمواقف. هناك بالتأكيد حرية دينية مهمة، و الذي هو أهم أيضا هو وجود مساواة بين أصحاب المعتقدات المختلفة. هل هذا سيتحقق في الوقت الراهن بفصل الكنيسة عن الدولة، هل سيكون لدينا نظام كالذي حاول غاندي و نهرو بناءه بالهند، الذي لا يوجد فيها مسافة بين السياسة و الدين. لكن ، الذي يوجد فيه اتفاق عميق حول المساواة و الاحترام المتبادل ؟ هل هذا سيتحقق مع منظومة علمانية على الطريقة الفرنسية ؟ هناك عدة نماذج ممكنة . لا يجب الجزم بنموذج غربي خاص سواء أكان أمريكيا أو فرنسيا .

تعلمون أنه يوجد بالعالم الإسلامي نقاش فيما يخص العلمانية ….

هناك نقاش بدأ سابقا، لكن من الصعب الإستمرار فيه، مع هذه التعبئة المحرضة على التعصب و شيء من الشوفينية ، لكن كان هناك نقاش : كيف تطبق المبادئ القرآنية ؟لا إكراه في الدين، لا يجب إجبار الأشخاص ، كيف نستطيع تحقيق احترام متبادل لمختلف المجتمعات الدينية؟ كان لهذه المبادئ بعض الإنجازات في تاريخ الحضارة الإسلامية و هناك أشخاص في العالم الإسلامي يسعون إلى القيام بذلك، وهاهم يسيرون خلاف الذين يريدون إحداث حرب دينية.

في هذا الطريق يوجد الذين يدعمون دور العلمانية كما هي و الذين يؤيدون دور الإصلاح الديني، الذين يؤكدون أنه في التاريخ الأوروبي ما كانت لتكون هنالك علمانية لو لم يكن هناك إصلاح الديني .

أظن أن تلك هي الحالة دائما في معظم المواقف. في الولايات المتحدة مثلا، كانت هناك تنمية موازية لبعض الإصلاح الديني و الذي نستطيع تسميته بنظام دنيوي علماني. ليس إلا حالة فرنسا التي رأت مجهود وضع نظام علماني مضاد للدين. في معظم الحالات، تم هذا بتناغم مع بعض المفاهيم الدينية .

تظنون أنه بالإمكان الوصول إلى وجهات نظر موحدة، مثلا فيما يخص الإرهاب في حين أن هناك محاولة، بدعم من بعض الأنثروبولوجيون أمثال جاك كودي و آخرون، لتعريفه كمقاومة. إذا ما نظرنا إليه من زاوية أخرى ؟

نعم، أظن عندما يكون الانفعال و الإحساس بالظلم قويان جدا، يصعب على الأشخاص تصنيف بعض الفاعلين بالإرهابيين، لكن يعرفون في قرارات أنفسهم بأنه إرهاب و الذي يريدون قوله هو أنكم أنتم أيضا قمتم باستفزازهم إلى درجة كانوا لا يقدرون على فعل شيء آخر. و بالتالي ليس حقيقة عدم اتفاق حول تعريف الإرهاب، هو عدم الاتفاق حول مسؤولية كل واحد في بعض مواقف الحرب الحالية .
بالنسبة للفلسطينيين، كل هؤلاء الأشخاص الذين اعتبروا إلى حد ما شهداء، كانوا قد تم استفزازهم بطريقة فظيعة بواسطة القمع، بفعل العنف من طرف الإسرائليين المدعومين بالأمريكان. يوجد هذا الغضب المرعب. إذن كيف يلطف هذا الغضب؟ هذا ممكن فعله في حالة ما إذا أخدنا بعض المبادرات للتوصل إلى اتفاق. مثلا، إذا بدأنا باتباع ″خارطة الطريق″ من أجل السلام في الشرق الأوسط، سترون أن هذا الغضب الكبير سينطفئ. السؤال الكبير الذي يطرح هو إن كان عند الغرب، و خصوصا الولايات المتحدة الرغبة في اٍرغام الشريكين ، و خصوصا إسرائيل، للإتيان إلى مائدة المفاوضات و التفاوض. عندما نصل اٍلى تقدم في هذا المضمار، لن يوجد أبدا أحد يقول: ″ هذا التصرف ليس عمل إرهاب". خذوا على سبيل المثال ايرلندا الشمالية. كان هناك غضب يزمجر منذ عشرين سنة و كان هناك العديد من الأشخاص عند الكاثوليك الذين كانوا يساندون إيرا و أشخاص آخرون عند البروتستانت كانوا يساندون المحاربين