الحداثة
ماسيمو روزاتي 17 June 2010

لقد تكرست الحداثة وخصائصها أساسا بفضل عدة متغيرات أهمها الثورتين الكبيرتين في القرن الثامن عشر وأعني بهما الثورة االصناعية والثورة الفرنسية، وظهور الدولة – القومية الحديثة، وعقلنة السلطة عبر الإجراءات البيروقراطية غير المشخصنة، وتطور اقتصاد سوق قائم على تقسيم العمل، وبروز القيمة الاجتماعية للاقتصاد الفردي، وصعود القيم ذات الطابع الكوني، والتمدن وانتشار أنماط الحياة الحضرية، والعلمنة وتطور المشاركة الجماهيرية في الحياتين السياسية والاجتماعية الأوربية، وتطور العلم كشكل من المعرفة المستندة إلى الشرعية الذاتية خلافا للدين، وانسحاب المقدس والديني إلى حيز القناعات الشخصية الفردية متزامنا مع تراجع دور الدين في الحياة العامة.

بالنسبة الى المنظور الفلسفي فان الحداثة تتطابق جزئيا على الاقل مع التنوير. ووفق كلمات إيمانويل كانت المعروفة، فإن “الانسان قد تخطى منزلة الأقلية”. فعلى النقيض من التقاليد والدين وكل أشكال السلطات المفروضة، تدعي الحداثة لنفسها استقلالا تاما تجاه الماضي وانفتاحا متواصلا نحو المستقبل. أفكار الانقطاع عن الماضي والأزمة والتحول المستمر هي أجزاء تشكل مع بعضها حالة التمثيل الذاتي التي تتسم بها الحداثة. ورغم ذلك، فان الاستقلال الحقيقي للحداثة مقارنة بالماضي وبالمدارس الفكرية الدينية أو الميتافيزيقية ظل طويلا ولا يزال في موضع النقاش.

يرى بعض المفكرين مثل بلومينبيرغ أن المعنى النهائي للحداثة يعتمد على استقلالها التام عن الماضي، في حين يرى آخرون أن الحداثة ما زالت شكلا طفيليا من حيث علاقتها بالتصنيفات الدينية والميتافيزيقية. ووفق بعض مدارس التحليل التاريخي الأكثر انتشار وأهمية كالماركسية والهيغلية، تبدو الحداثة لا شيء أكثر من العلمنة أي الانتقال من المفاهيم الدينية إلى المفاهيم الدنيوية. وبهذا المعنى فان عنصر الابتكار في الحداثة سيغدو جزئيا وشكليا.

وقد تركز النقاش في الآونة الأخيرة على مستقبل الحداثة أكثر من تركيزه على خصائصها. نهاية الإيديولوجيات الكبرى وظهور عالم جديد بعد الحرب العالمية الثانية دشن كما يرى كثيرون مرحلة “ما بعد الحداثة” التي يثمنها البعض بوصفها مؤشرا على نهاية البنى الكونية الخاطئة للحداثة.

ترجمة : حارث القرعاوي