التعددية الثقافية
بقلم: إليزابيتا غاليوتي 23 May 2010

كانت التعددية الثقافية طموحا لدى من يمثلون أو ينطقون باسم الأقليات المختلفة لأنها تضفي الشرعية على انتمائهم الثقافي المختلف وتمنح الاعتراف بخصائصهم الثقافية المتمايزة. لكن هناك تباينا في المواقف حول المقصود من قبول الاختلاف والاعتراف بالخصوصية الثقافية. وهناك تفسيرات تتباين في قوة تأكيدها لهذا الموقف وتتراوح من الدعوة إلى التسامح العام تجاه الاختلافات الثقافية وإلى المطالبة بدعم بقاء الثقافات الأصلية.

لذلك فإن التعددية الثقافية تقدم نفسها كبديل لنظرية البوتقة التقليدية والقائمة على المفهوم الأمريكي في الاستيعاب، حيث يجري التشديد على توحيد واندماج كل المجموعات في أمة واحدة. هناك من يفسر هذا التحول من مفهوم البوتقة إلى مفهوم التعددية الثقافية باعتباره نتيجة لفشل او عدم اكتمال النموذج القديم حيث كانت الوحدة تعني، في الحقيقة، الانصهار في المجموعة المهيمنة من جانب، والتمييز والعزل المتواصلين ضد الأقليات من جانب آخر. إن الهيمنة الثقافية وعدم المساواة الاجتماعية ظهرتا كنتيجة محتملة لطروحات وسياسات الاندماج التقليدية، والتي عارضتها الأقليات المتضررة، لسيماالأفرو-أمريكيين، وتبنت في مقابلها موقفا يؤكد الخصوصية ويحتفي بالجذور الثقافية المغايرة للثقافة المهيمنة.

في نهاية الثمانينيات قُدمت العديد من الطروحات باسم التعددية الثقافية. ففي الولايات المتحدة، بدأ ذلك مع المعارك التي خيضت حول البرامج التعليمية، وبشكل خاص ضد المعايير التقليدية ومن بينها الأدب الكلاسيكي والمدارس الفكرية الغربية الكلاسيكية التي يجري تدريسها بشكل تقليدي، فظهرت مطالب تدعو إلى توسيع البرنامج التعليمي ليضم النتاجات الفنية والأدبية للثقافات الاخرى. لقد ظهر نقاش حاد حول هذه القضية بين مؤيدي الخصوصية الثقافية و التعددية الثقافية، وبين المدافعين عن التقليد الذين شنوا هجوما مضادا. وانقسم الليبراليون الديمقراطيون بين الفريقين، بعضهم يدعو للاندماج العادل والآخر يعارض الخصوصيات والنواحي النسبية للاحتفاء بالاختلافات.

وبعد هذا الجدل العاصف، برزت “التعددية الثقافية” من خلال معركة المناهج التعليمية ومن الولايات المتحدة، وقد وجدت مؤيدين مشهورين مثل ويل كيمليكا وجوزيف راس وافيشاي مارغاليت، الذين عالجوا طروحات ومطالب تشمل مسائل من قبيل الملابس المقترنة بالمناسبات الثقافية والمدارس التي تدرس بلغتين، وكذلك التغييرات في وجبات الطعام المدرسية والمطالب بالحقوق الثقافية. بنهاية التسعينيات وبقدر تعلق الأمر بالشرعية التي أضافها الجدل المفتوح، بدا أن التعددية الثقافية قد ربحت المعركة، ولكن ليس لزمن طويل. فقد ظهرت انتقادات للتعددية الثقافية آنذاك باسم حقوق المرأة. في عام 1998 كتبت سوزان اوكين مقالة شهيرة بعنوان: هل مفهوم التعددية الثقافية سيء بالنسبة للمرأة ؟ وفي هذه المقالة كشفت أن حماية الثقافة غير الغربية ينطوي على تجاهل لحقوق المرأة في الثقافات الأبوية والقمعية.

على المستوى الفلسفي فان البعض من أمثال بريان باري (2000) جادل بأنه ليس من الممكن محاربة التمييز وعدم المساواة بأنواع أخرى من التمييز المضاد، وان الحل الوحيد هو المساواة الليبرالية. ويمكن أن نضيف إلى هذه المواقف مناخ الشك وعدم الثقة تجاه العرب والمسلمين بعد 11 سبتمبر 2001، والذي تعمق مع الهجمات الإرهابية الأخرى، مما يفسر تراجع مصداقية التعددية الثقافية وكذلك السياسات التي تأثرت بها. وكان لذلك تأثيرا غريبا من حيث انه أدى إلى ظهور نقد للتعددية الثقافية في بلادنا حتى قبل ان تصبح هذه الظاهرة مفهومة ومدروسة ومتبناة كموجه للسياسات الثقافية.

هناك من يسأل حول ما إذا كانت التعددية الثقافية تقود بشكل حتمي إلى ظهور مجتمع موزائيكي، وتقاليد شبيهة بالتقاليد القبلية، وإلى التنازل عن حقوق المرأة وحرية الأفراد داخل ثقافاتهم، وإلى منظور للنسبية الثقافية يجعلنا بلا حول ولا قوة في مواجهة هجمات الأصولية الإسلامية؟ وجوابي على هذا السؤال هو كلا، إلا إذا تمسكنا بتفسير هزلي ومتحيز للتعددية الثقافية. إذا دُعم مفهومنا للتعددية الثقافية بالمبادئ العالمية القائمة على التراث الليبرالي (كالاحترام المتبادل وعدم التمييز والتسامح والفرص المساوية )، كما يحصل في افضل التفسيرات، وإذا ما نفذت التعددية الثقافية بعقل منفتح وعبر المحاولة والخطأ من أجل أن تتكيف لكل هذه الاعتبارات، فانه لايمكن ان نعثر اليوم على بديل افضل يضمن تعايش المجموعات والثقافات المختلفة.

الترجمة: حارث القرعاوي