السيادة الشعبية وتهديدات الرأسمالية
أندرو أراتو
إننا نرث الكلمة، الفكرة وربما القاعدة ولكن لم نرث ايا من المؤسسات عن الماضي الاغريقي. أما بالنسبة للقاعدة أفكار التي هي<قانون المساواة >، و حتى تبادل الأدوار في الحكم مازالت حية في مفاهيم مساواة المواطنين أمام القانون و قيمة مشاركتهم السياسية في الجمهوريات الديمقراطية. ولكننا نحن الحداثيون نرفض الإفصاءات القوية المؤسسة على الدول المدينة القديمة و لا نعول على أشكال المشاركة السياسة فيها. المحولات المناسباتية – كالتي قامت بها حنا أرانت و كورنيليوس كاستورياديس لإحياء روح هذه الأخيرة – رغم تفهما بسبب توظيف القواعد اليوم، و لكنها رغم ذالك غير مجدية بسبب التعقيد الإجتماعي. لقد كان المفكرون القدامى و الحداثيون من أرسطو إلى بوليبيوس أكثر تنبؤا و من ميكيافيلي إلى البريطانيين المناصرين للحكم المتوازن الذين كان يأملون في الحفاظ على شئ من الديمقراطية القديمة في صيغ الأنظمة السياسية المختلطة.
بالنسبة لنا نحن فالقرن الثامن عشر الأوروبي، المسمى بأثر رجعي بـ < عصر الثورات الديمقراطية> هو قرن تشكيلي بالرغم من كون الديمقراطية مازالت مجرد مصطلح محتقرة أو في أحسن الحالات < حكومة مناسبة للألهة > ( روسو). كان المفهوم الأساسي هو سيادة الشعب، التي تمت إعادة إحياؤها نفسها من الماضي وما تشير إليه هو أن الديمقراطية من الأن فصاعدا ستصبح مبدأ للشرعية السياسية التي ستنسب و تعزو أصل أو مصدر سلطة حكومة إلى < الشعب >. الحكومة نفسها بتعبير آلياتها المؤسساتية لن تكون منتظرا منها بعد الآن أن تكون <<ديمقراطية>> بشكل مباشر و لكن ستكون تمثيلية. بالنسبة لمنتقديها فإن هذه الديمقراطية ستكون << خيالية >> أو على الأقل <<شكلية >>،و توجد بكل تأكيد بعض الحقيقة في هذه الإنتقادات. و لكنها ليست كل الحقيقة. فيما يتعلق بمبدأ الشرعية فإن الديمقراطية مازالت تتضمن المعايير القديمة لوضع المساواة و المشاركة السياسية للمواطنين. وهذا يعني أن علاقتها بالآليات الحالية للحكم نقدية. و بذلك فإن السياسات الديمقراطية الراديكالية ترافق دائما الثنائي : الشرعية الديمقراطية ( أو السيادة الشعبية) و المؤسسات التمثيلية. المطلب دائما هو جعل المؤسسات اكثر ديمقراطية أو جعلها اكثر استجابة للممارسات الغير مؤسساتية التي يتم اعتبارها اكثر ديمقراطية،أكثر شعبية أو حتى أكثر تمثيلية. إن الانتقال من الأنظمة المؤسساتية أو حتى الجمهوريات الأوليكارشية المؤسسة على السيادة الشعبية إلى الأنظمة المسماة ديمقراطية و المؤسسة على الإقتراع الشعبي لأول مرة تم تحفيزها بهذا النوع من الكفاح. حتى في السابق كان يجب حل سؤال بناء حكومة جمهورية في أرض واسعة،و هنا مؤسسسات الحكم الفيدرالي، فصل السلطة ( عرض الحكومة المختلطة القديمة ) وخاصة أنماط التمثيل السياسي، الحقوق الأساسية، الحكم الدستوري الحديث، و كذلك ا الحلول المقدمة من الفضاء العمومي المفتوح. و لكن فقط بجعل الانتخاب (كونيا) و التربية كونيين يمكن لهذه المؤسسات الجمهورية الجديدة أن تشبع المطالب الديمقراطية الدنيا. إن هذه المعارك استمرت مع حق المرأة في الإنتخاب و مع مشاكل الإدماج الإثني و الطبقي في مناطق عديدة من العالم و لكنها اليوم تمثل أقل فأقل المشكل المركزي للديمقراطية.
نفس الشيء ليس صحيحا فيما يتعلق بقضايا المشاركة و الديمقراطية الإقتصادية المتداخلة و التي تمت إتارتها بشكل مأساوي في القرن 19. هذه الأخيرة تستطيع البقاء و لو بأشكال معلومة و مختلفة تقافيا بشكل عالي. و في الجانب الآخر، فإن الاشراكات الأوليكارشية للتمثيلية المؤسسة على الإنتخاب الشعبي أصبحت واضحة زمنا كثيرا قبل <<نظرية النخبة>> و التي تمت إعادة وصفها بشكل صحيح تحت مسمى الديمقراطية. إن التجريب بطريقة مباشرة أو تشاركية أو تشاورية كان دائما مستمرا مند الثورة الفرنسية ولكن الأخيرة فقط، كانت نوعا متسلطا غالبا ما يقود إلى ديكتاتوريات قيصرية لم يكن لها أي نجاح دائم. هذا الشكل يعاود الظهور بشكل منقطع في الكفاحات الشعوبية التي تسعى إلى الإدماج و لكنها لا تعني فقط فقدان الديمقراطية الشكلية و لكن كذلك إزالة بعدها الديمقراطي المنتقد للذات. و لكن من جهة أخرى، فإن ضعف الديمقراطية التمثيلية فيما يتعلق ببنية السلطة في الإقتصاد الرأسمالي ثم توتيقها بشكل جيد، باعتباره غيابا لأي ديمقراطية أو حقوق من الفضاء الذي تسود فيه هذه القوى. هناك أيضا المحاولات التي هدفت إلى إيجاد حلول للإقتصاد الرأسمالي و في القرن العشرين خاصة كاصت كانت الديكتاتوريات القمعية و المستمرة ( وراء ايقاف) التي أوقفت كل مسلسل الديمقراطية هي النتيجة. الآن و قد انتفت جل و ليس كل هذه، فإن المشكل الأصلي للرأسمالية و الديمقراطية تبقى و لكن تم تخفيضها فقط بشكل ملطف بما يطلق عليه <<دولة الرعاية الاجتماعية >>..
تصبح محزنا بشكل خاص عندما يتم تسليم الفضاء العمومي – احد المؤسسسات المركزية في الجمهوريات في الأراضي الشاسعة – إلى المصالح الرأسمالية الخاصة و التي تستطيع توظيفها لخصخصة السياسات بشكل أعمق و خاصة عندما تعرض نوعا جديدا من السياسات الانتخابية حماية صارمة لخدمة الاعلام الإلكتروني العام – الموجود في متناول جماهير متنوعة – و حدها فقط تستطيع حمايتنا من هذه الكارثة و بشكل دائم.
مع بقاء مشاكل القوة الإقتصادية و الديمقراطية بدون حل، فقد بقيت القضية عامة، و معولمة ثم جعلها إمبريالية. إن القضية تم تعميمها، لأنه اليوم ليس فقط الرأسمال الكبير، و لكن أيضا الجيش الكبير، العلم الكبير، الطب الكبير، الإتصالات الكبيرة، الرياضة الكبيرة و الثقافة الكبيرة هي التي تمثل الفضاءات التي تصطدم بالأنظمة السياسية الخارجة عن المراقبة الديمقراطية و التي ليست ممارستها الداخلية ديمقراطية البتة. إنها معولمة لأن المؤسسات المناسبة ليست موجودة داخل الدول الوطنية و لكن في فضاء عالمي حيث لا يمكن مراقبتها من قبل الدول الأفراد حتى و لو أصبحت هذه الأخيرة اكثر تجاوبا ديمقراطيا. و أخيرا يمكننا الحديث < الإمبراطورية> ليس بمفهوم الكتاب الحديث و لكن بمفهوم الدور المفتوح و الضمني للقوى العظمى العشرة المتبقية في مطاوعة ( معالجة ) أغلب الفضاءات المفترض استقلاليتها و جعلها تخدم أفضليتها الغير متناسقة عن طريق هيمنتها العسكرية و عن طريق وضعيتها الريادية الاقتصادية الأكثر ضعفا. هذه الأخيرة حتمية بشكل خاص لأن الدمقرطة أصبحت رهانا في سياسات القوة الإمبراطورية .
في نفس الوقت أصبحت معايير الديمقراطية نفسها عالمية و لهذا السبب استعملت صيغة الجمع <نحن> طوال هذا النص. مند الموجة الأخيرة من التحولات الديمقراطية الأهلية الواسعة في اليونان في بداية السبعينات إلى جنوب أفريقيا في بداية التسعينات، لقد كان دائما نفس النموذج الأصولي للسيادة الشعبية و الديمقراطية الدستورية التي لعبت دورا مسيطرا (مهيمنا) في مسلسلات الدمقرطة. يمكن أن ينظم إلى هذا كنتيجة لعولمة الثقافة أو يمكن اعتبارها – كما يمكنني ان اعتبرها – الجواب المعياري الأحسن لتحديات العولمة و حتى الإمبراطورية، حتى لو كانت خطوة أولى. ما لا تستطيع هذه الموجة من الدمقرطة حله هو مشكل تعريف الوحدات التي يجب دمقرطتها حيث بنية الدولة نفسها كانت موضع نزاع بشكل عنيف عادة من قبل المجموعات الأثنية ومشاكل الدمقرطة خاصة الديكتاتوريات المتجدرة حيث معطيات تاريخية محددة ( إرث ما بعد الإستعمار، اقتصاد البترول، التهديدات الخارجية، الحركة الجديدة المناهضة للديمقراطية التجزيئات الإثنية، إلخ) جعلت الفرص الداخلية للحركات الديمقراطية ضعيفة و جعلت الإكراه العسكري- الإداري قويا بشكل خاص. إن المشروع الإمبراطوري- يوظف شعارات ديمقراطية و لكنه يتعامل بطرق غير ديمقراطية في العمق سواء في الداخل أو في الخارج – زج نفسه في مقامات تميزت بفشل الدولة أو حيث أن الدولة حية فقط و لكنها ديكتاتوريات غير شرعية بشكل متزايد و في بعض الحالات تركيبة من كل هذه كما هو الشأن في العراق. إن هذا التوظيف التي شاركت فيه ما يكفي من اجر المجتمع الحقوقي الإنساني بشكل مذهل و بشكل إرادي تمدد بخفض قيمة فكرة الديمقراطية نفسها. إدا حدث هذا، فإننا سنكون بدون دفاع مرة أخرى ليس فقط في علاقتنا مع الديكتاتوريين المحليين، أنظمة المجتمع الكوني المستقلة بشكل متزايد و لكن السيطرة الإمبريالية نفسها أخيرا. و لكن لا يجب أن يحدث هذا .
عندما تتحول الديموقراطية إلى قناع لإخفاء الاستغلال
حسن حنفي
1. أصبحت الديمقراطية كلمة سر في النقاش الاجتماعى الثقافي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. إن مأساة العالم بأسره هو عدم وجود ديمقراطية وبالنتيجة ضرورة التحول الديموقراطى للعالم غير الديمقراطي بتعبير أدق العالم الإسلامي لأن منفدي أحداث الحادي عشر من سبتمبر عرب مسلمون. الخطأ في الآخر وليس في الأنا. الآخر متهم، الأنا بريئة. أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 هي أفعال وليست ردات فعل لشيء آخر، قوة دون عدالة، العولمة كشكل جديد للهيمنة، صرخة جديدة للمقهورين ضد الرموز الجديدة للقوة، منظمة التجارة العالمية، البنتاجون، البيت الأبيض، القوة الإقتصاية والعسكرية والسياسية. الكل يتذكر تاريخ 11/09/2001 ولا أحد يتذكر2000/09/28، بداية الإنتفاضة الثانية، تركت لوحدها، دمرت المنازل والحقول، أبيدت النساء والأطفال وتمت تصفية النشطاء جسديا. أي سبتمبر يشكل معلمة في التاريخ، وتاريخ من ؟
إعادة قراءة الأدبيات السابقة حول الديمقراطية أزمة حقيقية. إنها ليست دراسة موضوع ولكن موضوع دراسة. إنها تتطلب إحصاء تاريخيا كاملا مليئا بحجج متناقضة. الوصف < الظاهري > للتجارب الديمقراطية المعاشة اكثر إنتاجية إدا كانت مكنوناتها مشتركة من قبل الجميع. إن المراجع (النقط الهامشية، أسماء الكتب والكتاب) تعتم في بعض الأحيان أكثر مما توضح. بل إنها توظف كتمويه لغياب المعنى أو اختراق في هذا الحقل. إنها توظف التزمت الأكاديمي. إنها تخلط المعلومة والمعرفة، الذي تمت معرفته والذي لم تتم معرفته بعد. بالإضافة إلى كون أغلب الأدبيات الثانوية غريبة مما يجعل الثقافة الإنسانية ذات جانب واحد. في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية توجد أدبيات ضخمة حول الموضوع قليلا ما تتم الإشارة إليها. الكثير منها مكتوب بلغات غير أوروبية.
2. إن الديمقراطية أداة وليست غاية، إنها تعني تطبيق شيء آخر بتعبير أدق أهداف وطنية. تبقى الوسائل الأخرى ممكنة بما فيها السلطوية. إن تجربة كوريا الشمالية التنموية كانت في ضل نظام سلطوي. التجربة اليابانية تم بناؤها عن نظام قيم التعاون المؤسسة على: الجماعة، الإخلاص، التفاني، التضحية، أخلاق العمل والسعي للإتقان. التجربة المصرية الضخمة لبناء الوطن في ظل حكم محمد علي في القرن التاسع عشر قام بهذا المستبد المتنور. بما أن الليبرالية شرط أولي للديمقراطية، فإن كل الثقافات لم تمر عبر فترة ليبرالية. بعضها انتقل من الإقطاعية إلى الاشتراكية كما هو الشأن في الإتحاد السوفيتي السابق. بصراحة التحرير كان مرحلة انتقالية من النظام الإقطاعي إلى الحداثة في التجربة الغربية. لقد كان حاملا للنزعة التجارية والرأسمالية بما فيها الأحزاب الديمقراطية الاجتماعية والديمقراطية المسيحية في الغرب. إن< الإستبداد الشرقي > يمكن أن يفسر روح الشرق حسب مونتسكيو. لا يوجد في الحقيقة أي تعارض بين قيادة قوية وساحرة للجماهير وبين التشاور المتبادل والتوافق الوطني. يمكن للنظام الليبرالي أو السلطوي كبديلين متعارضين أن يعبرا عن النظرة الغربية المنقسمة إلى قسمين للعالم والمؤسسة على طريقة التفكير المعبر عنها ب < إما…..أو…>
3. إن الديمقراطية بلا شك قيمة عالمية في ذاتها مبنية على التشاور المتبادل وضد احتكام الرأي. الحقيقة حتى ولوكانت نسبية يمكن التوصل إليها بشكل سليم بالتوافق وليس بالرأي الفردي. إن هذه التجربة ذاتية أكثر يقينا من التجربة الذاتية بمفردها. إن حكما كونيا وموضوعيا يمكن التوصل إليه عن طريق الوعي المتبادل والذي يعطي حسب هوسرل درجة عالية من الموضوعية مبنية على الكفاءة بين تجارب ذاتية متعددة أعني التوافق، وهو مختلف عن التعريف العلمي الكلاسيكي للحقيقة، سلطة الشعب هي سلطة معرفية قبل أن تكون سلطة سياسية.
4. إن الديمقراطية كمفهوم يمكن أن تختلف من ثقافة إلى أخرى. في الغرب هي مفهوم كمي مبني على معايير الأغلبية والأقلية. الصواب مع الأغلبية ضد الأقلية. الأغلبية هي الفائزة، الأقلية هي الخاسرة. الاولى هي السلطة والثانية هي المعارضة. قد يتغير الميزان في الإنتخابات المقبلة. فتصبح الأغلبية أقلية في المعارضة وتصبح الأقلية أغلبية في السلطة. تصبح الحقيقة باطلا والباطل حقيقة. الكمية تصنع الكيفية، القوة تصنع الحق. كم عدد المرات التي كانت فيها الأغلبية على خطأ كالنازية والفاشية عندما توفرت لها الأغلبية المطلقة في يوم ما ؟ كم عدد المرات التي كانت فيها الأقليات على خطأ كحركات المقاومة والتحرير وبعد النصر أصبحت على حق ؟ بالنسبة للفيلسوف التقليدي الجسد يمثل الكمية، والروح يمثل الكيفية، والسؤال المطروح هو من يقود من ؟
الديمقراطية في الغرب مؤسسة على مفهومي الفرد والمواطنة. فى حين أن ثقافات أخرى موجهة أكثر نحو المجموعات والمجتمعات، والأخوة ونادي الرفاق. الفرد إما أخ أو رفيق. الفرد لا يوجد لنفسه ولكن داخل الجماعة، الأسرة، القبيلة أو الطائفة. الديمقراطية في هذه الثقافات مؤسسة على التحالفات والتوافقات بين المجموعات ا