نيلوفر غول: إن الجدران تتساقط بين الإسلام و العلمانية
حاورتها نينا زوفورزتنبورغ 5 September 2007

هل لعبت قضية الحجاب دورا رمزيا في الأزمة التركية الأخيرة بين العلمانيين المتسلطين والإسلاميين الديمقراطيين الحداثيين؟
إن الحجاب شكل دائما أحد أهم القضايا في النقاش العمومي منذ نهاية لثمانينات. إن لفكر الجمهوري التركي عرف الفضاء العمومي باعتباره علمانيا: مستلهما ذلك من العلمانية الفرنسية. لقد أثار ترشيح وزير خارجية الحزب الإسلامي للإنتخابات الرئاسية أزمة سياسية. فالتوترات بين التسلّط والعلمانية، وبين الديمقراطية والإسلام برزت إلى الواجهة. كون زوجته ترتدي الحجاب ويمكن أن تصبح زوجة الرئيس محجبة، أثارت خوفا عميقا بين أعضاء الجمهور العلماني وخاصة بين النساء. فذلك كان يعني "الأسلمة من فوق" من أعلى منصب في الجمهورية العلمانية. لقد عبر الجيش عن قلقه وطالب بتوخي الحذر من المخاطر التي تهدد العلمانية عن طريق إستعمال الانترنيت، لقد تمت تسميته بانذار أخير إلكتروني أو "انقلاب الكتروني". ولكن الجديد هو تظاهر الناس في الشوارع، بدأته الطبقات الوسطى من أنقرة ووصلت المظاهرات إلى مليون شخص في اسطمبول وانتشرت إلى شوارع الأناضول الأخرى باسم الدفاع عن العلمانية وعن الدولة الجمهورية، هذه المظاهرات أبانت عن وجود طبقات وسطى علمانية، وتكوين فاعل علماني تتم قيادته من طرف النساء بالخصوص. إن الفكرة التي تقول بأن العلمانية مفروضة من فوق و بالتالي فهي محصورة في أقلية معرضة الآن للتحدي و تبين عيبها من خلال هذه المظاهرات. هذا يبين أن العلمانية أصبحت قوة أصيلة، لقد خلقت طبعتها التركية.

لقد تسببت المظاهرات في التوثر بين العلمانية المتسلطة وبين الإسلام المتطرف . و في نفس الآن يبدو أن الناس أكدوا شكلا من العلمانية التركية المتجذرة ؟
لقد كانت المظاهرات وسيلة لهذه الطبقات الوسطى لإظهار قوتها وقناعاتها و تجاوز خوفها من الإسلام كذلك بشكل عمومي. لقد عبر البعض بشكل مفتوح عن معارضتهم للإسلام ولتدخل العسكر في نفس الآن. إن تركيا تبلور بشكل أكثر مأساوية التوترات بين العلمانية والإسلام والديمقراطية. ولكن لدينا نفس المشاكل في أوروبا كذلك. سؤال كيف نفتح العلمانية أكثر لكي تصبح أكثر تعددية وأكثر ليبرالية في تفهم المطالب الدينية تتم مناقشته الآن.

لقد ألحت النساء في مسلسل الإنفتاح هذا على حرية أن يكن علمانيات و أن يرتدين الحجاب في نفس الآن. هل هذا صحيح؟
بالتأكيد إنهن يرتدين الحجاب ولكنهن يشاركن في نفس الوقت في الحياة السياسية و العمومية، وبالتالي يدخلن إلى التجارب الحديثة العلمانية للحياة. إن الحجاب ليس فقط رمزا و لكنه أيضا قوة النساء المسلمات، إن النساء يحملن إيمانهن الشخصي معهن إلى الساحة العامة.
و يجعلن الدين بارزا بشكل عمومي وبذلك يتحدين الخيالات العلمانية المرتبطة بالسياسات الليبرالية وتحرير النساء. يتم اعتبار الحجاب مفروضا في غالب الأحيان من قبل المتطرفين الإسلامين أو من طرف أعضاء المجتمع الذكور. ولكن الجانب الشخصي، أي قرار المرأة يبني الحجاب يتم اسقاطه وانكاره. إنهن يحولن الحدود بين الخاص و العام و يتركن الأدوار الدينية التقليدية التي تخصص للمرأة الفضاء الخاص، وفي نفس الوقت يصارعن ضد التمييز من طرف الفضاء العمومي بسبب حجابهن. إنهن يتسببن في المشاكل سواء بالنسبة للناشطات في حقوق المرأة العلمانية وكذلك بالنسبة للأعضاء الذكور في المجتمع.

هل تسبب القرار الذي اتخده نيكولا ساركوزي مؤخرا في ردان فعل عكسية على الأوضاع الداخلية في تركيا؟
نعم، و لكن الآثار على تركيا بدأت قبل وصول ساركوزي إلى السلطة. لقد كان المجتمع الفرنسي يضع موضع الشك شرعية عضوية تركيا للإتحاد الأروبي. كانت تركيا في خضم هذا النقاش نوعا من الدافع لتعريف معنى الهوية الأوروبية عن طريق إقصاء تركيا. إن المعادلة الخفية بين المسيحية و أوروبا اصبحت أكثر اتضاحا اكثر فأكثر كما هي حالة البابا راتزنغر. كل ما فعله ساركوزي هو أنه بنى موقفه على هذا النقاش. إذن يمكن القول بأن عضوية تركيا أصبحت قضية تحدد أجندات الرأي العام والسياسات الأوروبية على حد سواء.
إن السياسة الهوياتية الأوروبية الإقصائية كان لها بالطبع وقع سلبي جدا على العموم وعلى السياسات التركية. إنه كسحب البساط من تحت أقدام المجتمع التركي، ببساطة أعتقد الناس أنه لهم منذ قرون. إن المشاعر القومية تزداد و ليست منخصرة على الطبقات الوسطى الدنيا و قطاعات المجتمع المهمشة و الغير المتعلمة، بل حتى أعضاء المجتمع الأكثر مساندة لعضوية تركيا للإتحاد الأروبي. لقد تم إضعاف القدرة على حل التوترات بين العلمانية والإسلام كما تم إضعاف المشروع الأروبي الذي لم يعد يقدم إطارا للسياسات الديمقراطية والتوافق في السياسات التركية.

إن الرفض لم يتسبب في ردة فعل إسلامية متطرفة ولكن أدى إلى خيبة آمال وقلق يتعاظمان بين القوميين العلمانيين؟
المثير هو أن الحزب الحاكم – حزب العدالة و التنمية- القادم من الحركة الإسلامية في سنوات الثمانينيات أبان عن اعتدال أكبر و قدرة كبيرة على الإصلاح. إن تطور هذا الحزب المسمى إسلامي من وضعية أكثرها مشية و تطرفا إلى تقليد يمين الوسط المعتدل، هو الشيء الاكثر أهمية الذي حدث هنا في العشر سنوات الأخيرة. إنه اصبح اكثر إصلاحا و أكثر ديمقراطية. أعتقد أنه من الخطأ تسميته حزبا إسلاميا لأنه لا تتم الإشارة الى الدين في حملاتهم و لا في سياساتهم. بطبيعة الحال هناك حضور لعناصر الإسلام. عكس الأحزاب السياسية العادية من التقاليد الجمهورية المحافظة و الديمقراطية التي فشلت في تجديد نفسها، أصبح حزب العدالة والتنمية مطالبا بالإصلاحات و أصبح يمثل موقفا مساندا للإتحاد الأروبي. إن الرفض الأروبي تسبب في قلق و رد فعل قومي.

إذن الخوف من تدخل الجيش لإيقاف تراكم السلطة في يد الحزب الإسلامي ليس مستبعدا؟
الأزمة لم تنته بعد. إن تهديد العلمانية والأجندة الخفية للإسلام متجدرة بين الناس. لقد أصبحت أوروبا تنتهج سياسة مخادعة. إن السؤال هو إيجاد الإستقرار عن طريق الوسائل السياسية، يعني أن الإنتخابات القادمة ستكون حاسمة. وهنا أيضا يشكل ضعف الأحزاب العلمانية مشكلة.
تشكل تركيا نوعا من المختبر حيث يجد الإسلام والعلمانية نفسيهما في وضعية إلتقاء وصدام دائمين، أين يتم تعريف أهداف وحدود جديدة، و أين – حسب ما تظهره المظاهرات من تكاثر الطبقة الوسطى العلمانية- ماهو متدين و ما هو غير ذلك ؟
إن الشيء الإيجابي الذي يجب الإشارة إليه خلال العشرين سنة الأخيرة هو أن الجدار بين تركيا العلمانية وتركيا المتدينة أصبح أكثر تسريبا، لقد بدؤوا يتحدثون مع بعضهم البعض، التبادل بين المثقفين وينمو (فضاء وسط) بينهم. إنه من المهم الحفاظ على هذا الفضاء وعدم العودة إلى التقاطبات.
إن المظاهرة الأخيرة المساندة للعلمانية كانت نتيجة المجتمع المدني العلماني، ديمقراطية في نمط عملها و أشكال التعبير ولكنها بشكل مناقض قد تستعمل لشرعنة او الدعوة إلى علمانية متسلطة. الحركات "المجتمعية" ليست دائما "متدينة".

كم هي أوروبا اليوم مهمة لتركيا ؟
يجب كذلك عكس السؤال. في الوقت الراهن يلعب الرفض الأروبي دورا سلبيا في تركيا. هل توجد إشارات في السياست الأوروبية لتغيير هذا ؟ ساركوزي الفرنسي عبر علانية على أن تركيا ليس لديها الموهبة لتكون جزءا من الإتحاد الأروبي. لقد أصبحت تركيا الآن المؤسس للهوية الأوروبية. ولكن ما هو مضمون هذه الهوية ؟ تعني أوروبا بدون بلد ذو أغلبية مسلمة حتى و لو كان متناغما مع مبادئ العلمانية والديمقراطية؟ إبعاد تركيا جعلها هي "الآخر" بالنسبة لأوروبا، لن يرسم حدود أوروبا فقط ولكن سيؤدي إلى بناء جدار جديد داخل أوروبا نفسها. وهذه ستكون أوروبا أخرى. ليست اوروبا التي جعلتنا نحلم بفضاء جديد للتعايش حيث يتم تجاوز الهويات الوطنية و الدينية و الإثنية.