القومية
عمارة لخوص 18 November 2010

في كتابه البارز مفهوم القومية Meaning of nationalism الصادر عام 1954، حدد لويس ليو سيندر أربعة نماذج من القوميات: النموذج الإندماجي (مثل الوحدة الإيطالية) والنموذج المتفكك (مثل الكيانات المنفصلة عن الإمبراطورية العثمانية) والنموذج المعاصر (مثل الدول الناجمة عن مستعمرات سابقة) والنموذج العنيف (مثل الفاشية والنازية). من اليسير البرهنة على أن العنف ليس متجذرا في النموذج الأخير فقط، بل هو مترسخ في جميع القوميات.

إن أهم هدف تصبو إليه كل القوميات هو إنشاء كيان سياسي منفصل ومستقل، وهو ما يطلق عليه مصطلح”الدولة القومية“. ويتطلب هذا بالضرورة ترسيم مستمر للفضاء الجغرافي والتاريخي واللغوي والديني مما يؤدي إلى وضع حدود لإبراز الفوارق مع الآخرين وطمس العوامل المشتركة، وهو نفي لقانون التثاقف القائم على التأثير المتبادل بين الثقافات. على سبيل المثال، سعت بعض النخب القومية في يوغسلافيا سابقا إلى إلغاء كلمات ذات أصل غير قومي من القواميس المعتمدة.

لا شك أن المذهب القومي قد ساهم بشكل حاسم في تحرر الكثير من دول العالم الثالث من ربقة الاستعمار. بعد الاستقلال تحوّلت هذه الدول إلى أجهزة قمعية ضد مواطنيها مستغلة نفس القيم القومية للتمسك بالسلطة وسحق المعارضين واضطهاد الأقليات، كما حدث في الجزائر والفيتنام. في هذا السياق، لا يخفى على أحد محاولات الاستغلال الخطابي لبعض الشعارات مثل الدفاع عن الوطن ضد أعداء الخارج والداخل! من هنا يجب التمييز بين القومية والوطنية. كان أستاذ الفلسفة السياسية في جامعة الجزائر يقول لنا: “الوطنية هي محبة الوطن والقومية هي كره وطن الآخرين”. ألم تكن مشاعر الحقد والكراهية هي الدافع إلى ارتكاب مجازر تقشعر لها الأبدان في رواندا ويوغسلافيا سابقا في القرن الماضي؟!

ختاما من المفيد طرح السؤال التالي: هل يتوافق المذهب القومي مع الديمقراطية؟ لا نستطيع أن نجيب إلا بالنفي. إن عماد أي مشروع ديمقراطي هو الاعتراف بالتنوع السياسي والديني واللغوي بينما القومية تسعى إلى مشروع معاكس تماما قوامه التشديد على الحدود الجغرافية الواضحة المعالم، إضافة إلى عقيدة العرق الواحد والدين الواحد واللغة الواحدة والحزب الواحد و العلم الواحد، إلخ.